الثلاثاء، 8 سبتمبر 2009

الحلقة الثالثة من قصة المنزل الزجاجى

جلس حاتم فى مكتبه بمنزله يحاول أن يبدأ فى كتابة روايته الجديده...

من أين أبدأ كتابة روايتى الجديده؟؟ البدايات متداخله ومحتشدة برأسى ثم يطلق زفرة قصيرة فى ضيق ويلقى بالقلم جانباْ ويحدث نفسه قائلاْ بحنق

مافيش فايده أنا عارف نفسى إستحاله هقدر أكتب حاجه وأنا مش عايش أحاسيس الكتابه وفاقد الحماسه ..أنا محتاج ملهمه جديده ..

فتدخل عليه زوجته إيناس لتنتشر رائحة برفانها القوى فى أنحاء غرفة المكتب وتقترب منه وتطوقه بذراعيها فى دلال وتضع قبلة حارة على وجنته وتهنئة بحماسة وسعادة مصطنعة قائلة

مبروك يا حبيبى على نجاح روايتك الجديده..الجرائد والمجلات كلها بتكلم عنها

فيعقد حاتم حاجبيه فى دهشة وهو يرمقها بنظرات شك قائلاْ

غريبه ومن أمتى يعنى كنتى بتهتمى بمتابعة أخبارى ؟

فتضحك إيناس ضحكة مصطنعة وتجيبه بدلال قائلة

طبعا بهتم يا حبيبى ..يعنى لو ماكنتش أهتم بأخبار جوزى حبيبى ههتم بأخبار مين يعنى ؟؟

فيحدق بها للحظات ثم يومأ برأسه قائلاْ

طيب شكراْ على أهتمامك

فتصيح بدلال معاتبه

أيه ده يا حاتم شكراْ كده وخلاص

فيهز حاتم كتفه فى حيرة متسائلاْ

مش فاهم ..المطلوب منى أنى أعمل أيه ؟

فتداعب خصلات شعره وتجيبه قائلة بصوت ناعم بدلال

المطلوب منك يا حبيبى أنك تجيبلى هديه كبيره بمناسبة نجاح الرواية ..مش أنا مراتك حبيبتك ..يعنى لو ماكنتش تجيبلى هدية بمناسبة نجاحك هتجيب لمين يعنى

..وبعدين ما أنت عارف أن فى أسورة عجبانى من زمان وعايزه أشتريها ..ومافيش أحلى من مناسبة نجاحك علشان تشتريها ليه ولا أيه يا حبيبى ؟؟؟

فيهز حاتم رأسه ويصيح قائلاْ

آه ..يبقى الحكايه كده.. حاضر يا حبيبتى ..هكتبلك شيك وتنزلى تشترى الأسوره إللى عجباكى ..

فترفض إيناس فكرة الشيك وتصيح معترضه

لاه شيك أيه ..أنت عايزنى أصحى بدرى وأروح البنك وأقف فى طابور علشان أصرف شيك ..لاه هاتلى فلوس كاش وأنا أروح محل المجوهرات وأشترى الأسوره ..أنا كلمت صاحب المحل وهو حجزها ليه ناقص بس أدفع الفلوس وأخدها على طول

فلا يملك حاتم غير أن يهز رأسه فى أستسلام قائلاْ

حاضر يا إيناس هروح بكره البنك وأسحب الفلوس وأديهالك ذى ما أنت عايزه وبليل تنزلى تشترى الأسورة ..يارب تكونى مبسوطه دلوقتى

فتقبله إيناس فى سعادة قائلة

ربنا يخليك ليه يا حبيبى ..أسيبك علشان مش أعطلك عن الكتابه ..وأنا هروح النادى أقابل صحباتى ..باى

وتغادر إيناس حجرة المكتب وتترك خلفها رائحة برفانها القوية وحاتم يتابعها مرددا فى إستسلام

باى.

عند غروب الشمس تجلس فريدة فى شرفتها تراقب مشهد الغروب فى صمت ووحده كعادتها ..يكسوملامح وجهها الصامته سحابة حزينه تعبر عما يكنه قلبها من حزن عميق ويائس من حالها ..

فيدخل عليها ابنها عمر الشرفه ويقترب منها ويجلس بجوارها ويحدثها قائلاْ

ذى عادتك يا ماما كل يوم فى وقت الغروب بتحبى تقعدى لوحدك لساعات طويله لحد ماتدخلى تنامى

فتبتسم إبتسامة خفيفة شاحبة وتنظر إليه قائلة

هى دى المتعه الوحيده إللى بعيشها فى حياتى ... أنى أقعد كده فى البلكونه بهدوء أراقب قرص الشمس وهو بيغيب ويدخل الليل بسكونه لحد مايغلبنى النوم وأدخل أنام وأنا بتسائل...... ياترى هتكون دى آخر ليله فى عمرى ولا لسه هيكون فى العمر بقيه .

فيحتضن عمر يدها بحنان وحب ويقبلها قائلاْ

ربنا يديكى طولة العمر يا ماما

فترسم على شفتيها شبح إبتسامة وتومأ برأسها قائلة

صدقنى ياعمر طولة العمر مش دايماْ بتكون ميزه ولا حاجه كويسه ..كثير بيكون الموت راحه للأنسان من أنه يعيش واقع مش لاقى نفسه فيه .

ثم تغوص بناظريها بعيداْ وكأنها غابت بفكرها عن الواقع للحظات ثم تبتسم إبتسامة باهتة وتنظر إليه قائلة

عارف يا عمر أنا ليه بحب أتفرج على منظر الغروب؟

فيبتسم عمر وهو ينظر لها بنظرات رثاء وأسى لحالها ويسألها

ليه يا ماما؟

فتخرج تنهيدة عميقة وتجيبه بصوت يحمل نبراته الأمل المشوب بنبرات شك

لأنه بيدينى أمل أن ممكن بعد النهاية يكون فى بدايه ثانيه مستنيانا ..الغروب هو النهايه...... والليل هو بدايه لحياه ثانيه جميله مافيهاش حرارة الشمس المحرقه ولا زحام ودوشة النهار..

فيه هدوء وسكون ونسمات ليل جميله صافيه نقيه ولوحة منوره فى السما متزينة بضى نجوم متلألأه وقمر بيضحك وسكون جميل
...
ثم تنظر لعمر متسائلة

تفتكر ياعمر حياتنا الثانيه هتكون أحلى من حياتنا إللى عايشينها دلوقتى ولا ده وهم بنصبر بيه نفسنا علشان نقدر بس نعيش ونتحمل حياتنا دلوقتى ؟؟؟

فينظر إليها عمر فى تأثر قائلاْ

أنا حاسس بيكى يا ماما وعارف أيه سبب حزنك

فتحاول فريده أن تمنع دموعها الساخنة من أن تهرب من عينيها وتخرج تنهيده حاره مكبوته نابعة من نيران حزنها الساكن بداخلها وتصيح بصوت مختنق قائلة

وحشنى إيهاب قوى ..هجنن وأعرف أخباره أيه ...يا ترى عامل أيه فى حياته ....أكثر من خمستاشر سنه وهوغايب ولا حتى حاول فى مره أنه يرفع سماعة التليفون ويطمن عليه ..طب بلاش يطمن عليه ..يطمنى عليه ..وتنهار مقاومتها لتسلم نفسها لموجة من البكاء المرير الهائج

فيحاول عمر التخفيف عنها ويقترب منها ويضمها بين ذراعيه إلى حضنه برفق وحنان ويحاول أن يطمئنها قائلاْ

أكيد هو بخير بس أنت عارفه إيهاب سافر وهو زعلان مننا كلنا.... لأننا ماوقفناش معاه ضد أستاذ رأفت..أفتكر أننا خذلناه بصمتنا وسكوتنا.

فتهز فريدة رأسها فى قلة حيله قائلة

وأحنا كان فى أدينا أيه بس نعمله ..ماهو عارف كل حاجه

فيحاول عمر أن يصبرها قائلاْ

أكيد فى يوم هيحن لينا ويرجع ..مهما الغربه خدت الأنسان أكيد مصيره فى يوم هيحن ويرجع ثانى لأهله حتى لو كان زعلان منهم

فتهز فريدة رأسها فى يأس وتمسح عنها دموعها وتنظر إلى عمر متسائلة بصوت الأم الحنون

وأنت يا حبيبى أمتى هفرح بيك؟ نفسى أفرح بيك قوى يا عمر ...جايز لما يدخل الفرح بيتنا ما يسيبهوش ثانى

وقبل أن يجيبها عمر يدخل رأفت عليهما وهو يصيح ويشخط فى غضب قائلاْ

أنت يا هانم قاعده فى البلكونه مع ابنك وسيبانى أنده عليكى بقالى ساعه

فتكتم فريده غيظها وتنظر إليه متسائلة بلهجة المغلوب على أمره

فيه يا رأفت عايز أيه ؟

فيرد عليها بحده قائلاْ

عايز فنجان قهوة علشان أقدر أركز فى البحث إللى بكتبه ولا أنت ماعندكيش وقت لجوزك ده خالص وكل وقتك مقضياه فى البلكونه ولا كأن فى رجل مسئول منك

فتهرب فريدة من ملاقاة عين ابنها وتنهض من مكانها فى إستسلام لتعمل له فنجان القهوة كما يريد دون أن تعلق بكلمة أو ترد عليه .

ذهب حاتم إلى البنك كى يسحب مبلغ من حسابه ويعطيه لزوجته لتشترى الأسورة التى تريدها كما وعدها.....

وما أن خطا بقدميه داخل البنك حتى فوجئ بزحام شديد . فكر أن ينصرف الآن وأن يعود مرة أخرى فى يوم آخر...

ولكنه خشى أن يعود المنزل والفلوس ليست معه فتظن زوجته أنه يماطلها ويتهرب من شراء الهدية لها ..فقرر أن يتعب قليلاْ الآن أفضل مما سوف ينتظره منها من غضب إن عاد لها فى المساء والمال ليس معه.

أخذ رقماْ من الموظف المختص وجلس فى المكان المخصص للعملاء ينتظر دوره..كان الوقت يمر ببطئ شديد ولا يزال على دوره الكثير ...أخذ يحملق فى السقف تارة وفى عملاء البنك تارة أخرى حتى وقعت عيناه عليها

فتاة سمراء ممتلئة الجسد تجلس على إحدى شبابيك المحاسبين ...تتحدث مع أحد العملاء.

لفت نظره للوهلة الأولى نظرة عينيها ..نظرة حزينة يائسة مستسلمة لواقع لا ترضى عنه ..كان يرى على وجهها سحابة من التفكير العميق ربما يوجد فى حياتها شيئاْ ما تتألم من أجله هكذا شعر
.أخذ يتأملها فى سكون وكأن لا يوجد فى البنك غيرها.

شعر بسعادة غامرة لرؤيتها وكأنه عثر فجأة على كنز ثمين ...وليس أى كنز ...أنها ملهمته الجديده ..نعم ملهمته وبطلة قصته الجديدة.

ففى لحظات تبدل كل شئ ..فالوقت البطئ الممل ...صار ممتعاْ لا يرغب فى مروره...بل يتمنى أن يبقى لساعات وساعات يتأملها فى هدوء...يتأمل حركاتها إبتسامتها المصطنعة مع العملاء ..نظراتها .

أما ملامح وجهها فلم تكن تعنيه فى شئ ..فكل ماكان يراه منها نظرات عينيها...تلك النظرة التى رأى فيها كل ما كان يبحث عنه.

عندما سمع رقمه عند شباكها دبت فى صدره نشوة المنتصر لتحقق أمنيته ..فقد تمنى أن يكون رقمه عندها حتى تتيح له الفرصه أن يتكلم معها.

وهاهو يقترب منها وسوف تتلاقى عيناه مع عينيها ولكن فجأة تركت الشباك لزميل لها وحملت حقيبتها وهمت على الأنصراف.

كاد أن ينده عليها ..توقفى لا ترحلين..ولكنه أكتفى بمراقبتها وهى تختفى من أمام عينيه ليجد نفسه يقف أمام المحاسب يبتسم فى وجهه قائلاْ

أى خدمه يا فندم؟

حول مائدة الطعام يتناول يحيى الغذاء مع والدته فى شقتها وأثناء تبادلهما للحديث تنظر له والدته متسائلة

وبعدين يا يحيى لحد أمتى هدنك رافض موضوع جوازك ..يابنى يا حبيبى العمر بيمر وأنا نفسى أطمن عليك قبل ما أموت...

فيترك يحيى الشوكة لتقع من يده لتحدث صوتا عاليا عند إرتطامها بالطبق الذى كان يأكل منه وهو يهز رأسه فى ضيق معاتباْ والدته

ثانى يا ماما هنكلم فى الموضوع ده ثانى ....أنت كده إللى بتخلينى أنى ما أحبش آجى عندك كثير ..علشان أتجنب كلامك معايا فى الموضوع ده ..وأنت عارفه كويس أنى رافض أى كلام فيه وبرده كل مره لازم تكلمى معايا وأكرر أنا نفس الكلام إللى بقوله فى كل مره ...ريحى نفسك يا ماما أرجوكى وريحينى معاكى ..أنا بجد بضايق من الكلام فى الموضوع ده

نظرت إليه ملياْ وقالت بصوت أختلط فيه اللوم بالحنان

يعنى أيه مش هتجوز أبداْْ....عايزنى أموت بحسرتى عليك وبعدين هو أنت أول واحد تموت خطيبته دا مر على وفاتها أكثر من خمس سنين وأنت لحد دلوقتى رافض أنك تصدق أنها ماتت

فيصيح يحيى فى غضب وينهض من على المائدة قائلاْ فى ثورة

يووه مافيش فايده ...ماما علشان تريحى نفسك أنا مش هجوز وأمل بالنسبالى لسه عايشه ..فاهمه لسه عايشه .. أرجوكى ..أحترمى رغبتى وبطلى تكلمينى فى موضوع الجواز وريحى نفسك وريحينى معاكى لأنى مش هجوز ..سامعه ..مش هجوز

ويعود يحيى إلى شقته..تلك الشقه التى كان أعدها كعش الزوجيه الذى سوف يجمعه هو وحبيبته أمل .

.فقد أختارت معه كل ركن وكل قطعة أساس فى الشقة ..كان يتمنى أن تمر الأيام سريعاْ حتى يجمعهما القدرفى منزل واحد وتصبح زوجته بعد قصة حب جميله ونقية جمعت بينهما لأكثر من أربع سنوات وهو لا يعلم أنه كلما كان يمر الوقت كلما أقترب موعد فراقهما وليس زفافهما.

.كانت صدمة موتها فجأه قبل حفل زفافهما بأسبوع واحد فى حادث سيارة أكبر منه فلم يستطع تحملها ...فلم يحتمل عقله فكرة موتها هكذا ...فى لحظة يفقدها .
.وبعد تلك اللحظة لن يراها مرة أخرى ...هل يمكن أن يحتمل عقله وقلبه هذا ؟؟؟

ظل أكثر من شهرين رافض فكرة موتها وحبس نفسه داخل شقة الزوجيه
ينتظرها...فشلت جميع محاولات والدته لإخراجه من تلك الحاله وإقناعه بالواقع .. حتى أنها عرضته على أكثر من دكتور نفسانى ولكن بلا أى نتيجه....

فلم تكن أمل بالنسبة إليه مجرد فتاة أحبها بل كانت أقوى وأكبر من ذلك..تعرف عليها فى الجامعة لفت نظره إليها فى البداية خجلها وأحمرار وجنتها عند كلامه معها

....شعر بهذا الرابط العجيب الذى شده إليها وكأن أرواحهما تلاقت من قبل فى العالم الروحانى وحان وقت لقائهما فى العالم الواقعى ...شعر وكأنها خلقت خصيصاْ لتكون حبيبته ورفيقته فى الدنيا ..

كان يجمع بينهما أشياء كثيرة مشتركه من حب الموسيقى الهادئة والشعر والسفر وأكتشاف كل ماهو جديد ..عندما يتركها ويعود للمنزل لا يكف عن التفكير بها فصورتها دوماْ أمام عينيه بإبتسامتها الرقيقة العذبة الصافية...

.كان يرى العالم بمنظور آخر وهو معها ..كانت نقية طيبه عاشقة للجمال والحب ..لا يجد الكره مكان له فى قلبها..فأحبها كل من عرفها. أما هو فقد عشقها ..هذا العشق الذى يفوق التصور ويعجز أى قلم مهما كانت براعته أن يجد الكلمات التى تستطيع أن تصفه وتعبر عنه..

.كانت تستطيع أن تفهمه من نظرات عينيه ..كانت تعرف كيف تريحه ..حتى عندما كان يوجد شيئاْ ما يؤرقه ويضايقه كان معها ينسى كل شئ مهما كان حجمه....فصوتها العذب كان يبث الراحة فى نفسه ....والطمأنينة فى قلبه ..فيعلم أن أى مشكلة مهما كانت حجمها أمام إبتسامة واحدة منها تبدو صغيرة وتافهه ولا تستحق ضيقه

..وكيف يشعر بالضيق وهو معه أجمل ملاك خلقه الله وأهداه إلى أهل الأرض.
أحلامها البسيطه كانت تزيد من تعلقه بها ..

نظرتها البريئة للعالم من حولها جعله يشعر بأنها مسئولة منه يخشى عليها من هذا العالم ومن غدر الأيام .

..أحس وكأنها طفلته المدللة ..وحبيبته الملائكية التى لا يمكن أن تقابلها إلا فى أحلامك ولكنه قابلها فى واقعه ...وأحبها وأحبته ..وياله من واقع قصير جدا مر به كالحلم الجميل ليستيقظ منه ليجد نفسه وحيدا فى كابوس الحياة المخيف

..تركته وحيداْ فى عالم لم يخلق لأمثالها ..فهى ملاك هادئ مكانه فى جنة السماء وليس فى جحيم الأرض بما يحمله من مطامع وشرور وأحقاد بين أفراده لا تعرف هى شيئاْ عنهم .

ألقى بجسده الحزين على الأريكه نظر إلى صورتها المعلقة على الحائط تأمل إبتسامتها البريئه ونظراتها الساحرة وكأنها تنظر إليه وحده وتطمئنه بأنها معه ...
.تشعر به وبعذابه وتوعده بأنها ستظل دوماْ معه لن تفارقه أبداْ

حتى أحس بحركة فى غرفة نومه فنهض مسرعاْ وأقترب بترقب من الغرفة وما أن خطا بقدميه داخلها حتى فوجئ...؟

ليست هناك تعليقات: