الحلقة التاسعة من قصة المنزل الزجاجى

مرت ايام وايام ورجاء لم تحاول الاتصال بحاتم او رؤيته...كما قررت كم كان أمراْ صعباْ عليها ولكنها كانت تقاوم رغبتها وتصر على المقاومة وعدم الاستسلام لضعفها

حاول حاتم الاتصال بها فى كل يوم ولكن تليفونها المحمول دوما مغلقاْ...فى البدايه ظن انها ستغيب عنه لفتره قصيرة وستعود ..قد تكون لديها ظروف ولم تتمكن من الاتصال به كى تعتذر عن انقطاعها عن زيارته

..ولكن الايام تمر ولم يسمع منها شيئاْ

تبدلت احواله شعر بالضيق اصابته نوبات عصبيه على غير حالته ..هربت منه الكلمات لم يستطع مواصلة الكتابه ..

وسؤال واحد يطارده لماذا أختفت فجأة هكذا؟؟

هل تلعب معه لعبة النساء الشهيرة ...تبتعد قليلاْ حتى يزداد تعلقه بها ....يالها من حمقاء ماذا تظن نفسها؟؟؟؟ ألا تعلم من هو حاتم منصور ؟؟؟ فهو ليس شاباْ مراهقاْ سوف تخيل عليه تلك الالاعيب؟؟؟ هل ظنت بحق أنه لايستطيع الاستغناء عنها ؟؟؟

يالها من واهمه فأنا لست عبيطاْ ساذجاْ حتى أقع فى هذا الفخ كما تخطط

...ثم صاح بضيق

يالها من مخطئه ..إذا كانت ستستمر على هذه الطريقه ...فأنا لا أحتاج إليها مع ألف سلامه ..هناك العشرات غيرها يتمنينه .. فما الذى يضايقه فى بعدها عنه فهى مجرد فتاة عاديه ....... فتاة عاديه مثل العشرات غيرها.

ثم نظر إلى هاتفه المحمول فى تردد ثم صاح قائلاْ

سوف أتصل بها لآخر مرة قد تكون مريضه أو رقم تليفونى المحمول ضاع منها

وبالفعل يعاود حاتم الاتصال بها ولكنه يجد هاتفها مغلقاْ كالعادة

فيليقه جانباْ فى ضيق وأخذ يضغط شفتيه فى غيظ

ماذا تظن نفسها ..إنها إذن لا تعرف من أنا ..من الآن سأنساها وكأننى لم أراها يوماْ ...وسأجد العشرات غيرها ....فأنا حاتم منصور.

نظر إلى ساعة الحائط فوجد الساعه قد تجاوزت الواحدة صباحاْ يجب أن يستريح وينام قليلاْ حتى يستعيد تركيزه ونشاطه ويواصل الكتابه فى الصباح

أتجه إلى حجرة النوم وهو يحاول ألا يحدث صوتاْ حتى لا يوقظ زوجته ..تسلل بحذر حتى أستلقى على الفراش بجوارها ..حاول عبثاْ النوم ولكنه لم يستطع أخذ يتقلب حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالى

..فنهض من على الفراش وأتجه نحو دولاب ملابسه وفتحه برفق ثم خلع البيجاما وألقاها على حافة السرير وألتقط ثياب الخروج

أحست به زوجته وهو يرتدى ملابسه فأعتدلت وسألته وأثار النعاس تسيطر على وجهها وصوتها قائلة فى دهشة

حاتم ..أنت خارج دلوقتى ؟

فيرد عليها فى عجاله

نامى أنت ياإيناس ..

طب رايح فين ..أحنا لسه الفجر..

فينتهى من إرتداء ملابسه ويجيبها وهو يلتقط تليفونه المحمول ومفاتيحه من على المنضده المجاورة للفراش قائلاْ

أنا نفسى ما أعرفشى ..أنا حاسس أنى محتاج أنى أخرج بالعربيه شويه ..نامى أنت وماتشغليش نفسك

فتشير بيدها قائلة وهى تعاود للنوم

براحتك وتسحب الغطاء على جسدها وتكمل نومها.

أنتهى إيهاب من تناول العشاء مع ( جاكلين ) بشقته الصغيره ثم جلست بجواره على الأريكه ...ألتصقت به وألقت برأسها على صدره..داعب شعرها بأصابعه وهو سارحاْ مشغولاْ يفكر فى كلام أميره الذى ظل يتردد بذهنه مرات ومرات.

فأقتربت منه أكثر وبادرته بقبله حاره ولكنه أبتعد قليلاْ عنها وكأنه لا يريد أن يتجاوب معها ..نظرت إليه جاكلين باستغراب ولكنها أقتربت منه مرة أخرى ..فأبتعد عنها مرة أخرى وأعتذر إليها قائلاْ

آسف يا جاكى أنا مرهق وأفضل أنى أرتاح

فبدا على ملامحها ونظراتها إليه أنها لاتصدقه فصمتت لحظه وتنهدت قائلة بصوت يشوبه الأسى والاحباط

أنت خلاص زهقت منى يا إيهاب علشان أنا ست كبيره وأنت شاب ...أكيد بتفكر فى أن يكون ليك علاقه ببنت صغيره أو على الاقل فى سنك ..مش واحده زى عجوزه

فيهز إيهاب رأسه فى نفى قائلاْ

ماتقوليش الكلام ده ثانى يا جاكى ..أنت ست جميله وأى رجل يحب أنه يكون ليه علاقه بيكى ..بس أنا فعلاْ مرهق ومحتاج أنى أرتاح ..وكمان فى حاجات شغلانى اليومين دول وبفكر فيها

فنهضت وقبلته على وجنته قائلة

أنت طيب يا إيهاب ومش عايز تجرح مشاعرى ..وده لطف منك ..ثم ألتقطت حقيبه يدها وأتجهت نحو الباب ثم أستدارت ونظرت إليه قائلة

لو أحتجت أى حاجه ..ماتترددشى فى أنك تكلمنى .

راقبها إيهاب وهى تغادر الشقه دون أن ينطق بكلمة واحده وما أن أغلقت الباب وراءها

حتى تنهد فى حيرة وهو لا يعرف ما أصابه ..وأستلقى بجسده على الأريكه وهو يتذكر كل كلمه قالتها أميره فوقف وصاح بإنفعال وكأنه يرد عليها قائلاْ

مين سمح ليكى أنك تكلمى معايا بالطريقه دى ...أنت فاكره نفسك مين ؟؟ ثم رد على نفسه بعتاب

وأنا أصلاْ ليه مهتم بكلامها ..هى مش فاهمه حاجه ولا عمرها هتفهم ...إللى ذيها بيقيسوا الدنيا بالمسطره ولا عمرهم بيحسوا بغيرهم ولا بالظروف الى بيعيشوها

....فيخرج من جيبه حافظة نقوده ويسحب منها صورة والدته التى يخفيها خلف صورته ويتأملها بنظرات حزينه بائسة قائلاْ بصوت هامس خافت

وحشتينى قوى يا أمى ...قوى .

كان يحيى مستغرقاْ فى نومه عندما سمع رنين جرس الباب ..أستغرب ولم يصدق تماماْ حتى سمع رنة أخرى ..أعتدل وأضاء نور حجرة النوم ونظر فى ساعة يده وأندهش من سيأتى لزيارته فى هذا الوقت المبكر . نهض من فراشه ووضع الروب على جسده وأتجه نحو باب الشقة مترددا وهو يتسائل

مين ؟

فوجد حاتم يرد عليه

أنا حاتم يا يحيى أفتح

فأندهش مردداْ

حاتم

ففتح الباب متسائلاْ

حاتم خير فى حاجه ؟

فيجيبه حاتم بصوت خافت معتذرا

حاولت أفتح الباب بالمفتاح ..بس أنت كنت قافل الباب من الداخل

فيتنبه يحيى أنه لم يدعوه للدخول بعد ..فأشار إليه بيده قائلاْ

تعالى أتفضل أدخل

فدخل حاتم وقد بدا عليه أنه ليس على مايرام..فيدرك يحيى ذلك فينظر إليه متسائلاْ

عايز تكلم ولا تفضل أنك تقعد مع نفسك لحد ما ترتاح وتكلم لما تحب

فيأخذ نفساْ عميقاْ ويفكر قليلاْ ثم يجيبه قائلاْ

محتاج أنى أنام ..ومش قادر

فيشير يحيى إلى غرفته قائلاْ

أدخل نام ..وأنا حاقعد مع نفسى شويه ..قبل ما أروح للجريده

فينظر إليه حاتم قائلاْ

خلاص النهاردة حاتسلم الرايه وحاتخطب

فيهز يحيى رأسه فى يأس وإستسلام ..للأسف ما فيش قدامى أى خيار غير أنى أخضع للإستبداد وأتنازل عن حريتى .

فيبتسم حاتم إبتسامه حسرة ويهز رأسه قائلاْ

صدقنى يا يحيى كلنا فى الآخر بنعيش والسلام...أستلم طابورك وأقف فيه زى بقية الناس ..مهما حاولنا أننا نشذ عن القاعده غصب عننا لازم بنرجع ليها ونقف فى طابور الحياه مستسلمين لقدرنا.

فيصيح يحيى فى غضب

أزاى أتزوج من واحده مافيش أى إحساس أو مشاعر بينا ..لمجرد أنى أرضى والدتى والناس إللى رافضه أنها تسمحلى أنى أعيش حياتى زى ما أنا عايز ؟؟؟

فيحاول حاتم تهدئته قائلاْ

جايز لما تتزوجها تقدر تخرجك من حزنك وتعلقك بأمل ...وترجعك ثانى للواقع وتسيبك بقى من عيشة الخيال إللى أنت عايشها .

فيهز يحيى رأسه فى رفض قائلاْ

أنا نفسياْ غير مهيأ أنى أبدأ علاقه جديده ..أنا كده حاظلم عبير معايا ذنبها أيه أنها تعيش مع بقايا إنسان ..عقله وقلبه أدفن مع حبيبته فى قبرها ..

حاكون ليها جسد من غير مشاعر ..تفتكر أى إنسانه فى الدنيا تستحق منى أنى أظلمها كده ..ماما مصممه أنها تظلمنى وتظلم إنسانه ثانيه معايا مالهاش أى ذنب فى أنها تعيش بقية حياتها مع واحد ميت.

فيحاول حاتم التخفيف عنه قائلاْ

أنا شايف أنك مكبر الموضوع ..عبير جارتك من زمان وعارفه كويس قصتك مع أمل .....وعارفه أنك لسه بتحبها وطالما هى موافقه على الارتباط بيك ..يبقى هى عارفه ومتأكده من أنها حاتقدر تنسيك أمل ..وكمان أنت ما خدعتهاش ولا ظلمتها

...صدقنى يا يحيى الحقيقه إللى لازم تواجه نفسك بيها ..هو أنك خايف أن عبير فعلا تنجح فى أنها تقدر تخليك تنسى أمل ...ثم يستطرد قائلاْ

كل إللى أقدر أقوله ليك يا يحيى ..هو أننا ما ينفعشى أننا نعيش فى الخيال طول عمرنا ...الخيال شئ جميل ..كثير بنهرب ليه علشان نسرق لحظات سعاده ومتعه بيصعب علينا أننا نلاقيها فى الواقع ..بس بتكون متعه مؤقته ..ماهو ماينفعشى أننا نعيش فى الأوهام طول حياتنا ..

فيرد عليه يحيى بإستنكار

واتزوج من واحده ما بحبهاش..يا حاتم اللى جرب الحب الحقيقى صعب انه يعيش من غيره...

فيرد عليه حاتم

والحب الحقيقى نادر أن الانسان يقابله ...انت كنت محظوظ وقابلته مره فى حياتك ..جايز تقابله ثانى مع عبير ..وجايز لأ...بس الأكيد دلوقتى أنك ممكن تخسر والدتك لو صممت أنك تعيش فى ذكرى الحب الحقيقى .

يا صديقى العزيز كلنا بنقف فى طابور الحياه وننتظر نصيبنا منها و صدقنى مهما كان نصيبك عمرك ماحاتكون راضى ومقتنع ان الحياه كانت منصفه معاك.

ثم يتثاءب قائلاْ

أنا حاجاول أنى أنام لأنى فعلاْ مرهق جداْ

فهز يحيى رأسه الحزين قائلاْ

أتفضل

تركه حاتم ودخل غرفة النوم ليستريح قليلاْ قبل أن يذهب إلى الجريده.

فألقى يحيى بجسده على الأريكة وهو عاجز عن الدفاع عن حريته أن يعيش حياته كما يرغب ويريد

فليتزوج كما يتزوج الناس جميعاْ....لا يهم إن كان لا يشعر بأى مشاعر نحو العروس....لا يهم إن كان حتى الآن لا يزال يحب أمل

...ولا يعرف إلى متى سيبقى هذا الحب متمكنا من قلبه ..لا يهم كل ذلك فالأهم الآن أن يتزوج كى يرضى والدته.

وقعت عيناه على صورة أمل المعلقة على الحائط وأخذ يتأملها ونظرات عينيه تعتذر إليها ..يشعر بالخجل منها ..كان يرى نظرة عتاب بعينيها ...فوعدها قائلاْ

صدقينى يا أمل أنا لسه عند وعدى وعمرى ما حاقدر فى يوم أنى أنسى حبنا وأحلامنا ..ثم يكمل بصوت باكى

بس أنت إللى سبتينى وأنا مش قادر أقاوم لوحدى ..كان نفسى تكونى جمبى تقوينى ..بس للأسف أنا لوحدى ..لوحدى.

تقف ياسمين فى شرفتها تنتظر عودة عمر من العمل ...فما أن لمحته فى نهاية الشارع حتى دخلت مسرعة إلى المطبخ وحضرت طبق الحلويات ( أم على ) ولفته بورق مفضض ووقفت خلف الباب لتسمع خطوات قدميه وهو يصعد درجات السلم ...وما أن أحست به يقترب من الشقة حتى فتحت الباب وتصنعت أنها فوجئت به قائلة فى ترحاب

بشمهندس عمر ..أزيك

فما أن يسمع عمر صوتها حتى يلتفت مسرعاْ وينظر إليها والسعادة تنر وجهه قائلاْ

آنسه ياسمين ..أزيك أنت ..أخبارك أيه؟

فتتسع إبتسامتها وتجيبه بصوت خافت رقيق

الحمد لله ثم تنظر إلى الطبق الحلويات وتقترب منه وتعطيه إليه قائلة بصوت مشوب بالخجل

أنا أصلى بحب (أم على) قوى وعرفت من طنط فريده أنها كمان بتحبها ...فحبيت أعمل ليها طبق ..بس يارب تعجبها ..وأنت كمان ياريت تذوقها .

فيحمل عنها الطبق وعينيه لم تقع من على وجهها يتأملها والإبتسامه ترتسم على شفتيه ويشكرها قائلاْ

أنا واثق انها حاتعجبها لأنها من أديكى .

فتتصنع ياسمين الخجل وتبتسم وهى تتجنب النظر إليه وتستأذن وتسرع للدخول إلى شقتها

فيقف عمر فى مكانه وهو يراقبها حتى أغلقت الباب وراءها ...وأطلق تنهيده حارة نابعة من أعماق قلبه

ونظر إلى طبق (أم على ) قائلاْ

يا أحلى أم على فى الدنيا

وما أن دخل الشقة حتى فوجئ بوالدة رأفت تقف خلف الباب وكأنها كانت تتصنت عليهما ..وما أن رأته ارتبكت قليلاْ ثم نظرت إلى طبق الحلويات متسائلة بلهجة ذات معنى

أخبار أم على أيه ؟ ذوقنى كده أشوفها شاطره ولا ذى بنات اليومين دول ..خيبه

فيهز رأسه ويقترب منها قائلاْ

أم على ضارة جدا على صحتك خاصة وأنت السكر عندك عالى جدا

بقى كده

فيؤكد عمر وكأنه يقصد إثارة غيظها قائلاْ

آه كده ويدخل غرفته وهو يحمل الطبق فى سعادة ويدندن يا أحلى أم على
...أم على ..أم على

فتمط والدة رأفت شفتيها محدثة نفسها

أنا عارفه هى عاجبها فيك أيه ....بلا خيبه.


كانت سعاده عبير ووالدتها كبيره بيحيى رحبوا به وأعدوا له ووالدته مائدة عشاء فخمة تحتوى على ألذ وأشهى المأكولات.

حاول يحيى أن يتصرف بطبيعته وأن يرسم إبتسامة زائفة على شفتيه... تذكر عندما ذهب مع والدته لطلب يد أمل ..كم كانت جميله فى ذلك اليوم...لم ينسى ضحكتها الرقيقه المشوبه بالخجل وهى تتهرب من ملاقاة عينيه ..ياله من يوم سعيد لن ينساه طيلة حياته.

حتى فاق من خياله على صوت والدته وهى تقول له حانقرأ الفاتحه دلوقتى يا يحيى

فينظر اليها فى استسلام قائلا

زى ماتحبوا

فتدخل عبير قائله

بس انا ليه شرط

فتسألها والدة يحيى

وايه هو يا ست العرايس ؟

فتجيبها عبير

غرفة النوم لازم تتغير ..أعتقد من حقى ان يكون ليه غرفة نوم خاصه بيه انا اللى اختارها مش واحده غيرى

فترد عليها والدة يحيى

بس المرحومه امل ماتت قبل ما تعيش فى الشقه يوم واحد وانت عارفه كده كويس ياعبير

فتصر عبير قائلة

بس هى اللى اختارت العفش ..انا مش معترضه على بقية الاثاث انا كل اللى معترضه عليه غرفة النوم واعتقد ان ده من حقى

فيأخذ يحيى نفساْ عميقاْ ويرد عليها قائلاْ فى إستسلام

زى ماتحبى عموما فى غرفه فاضيه بالشقه لو تحبى نعملها غرفة نوم خاصه بيكى

فتنظر إليه متسائله

وغرفة النوم القديمه

حانحتفظ بيها فى مكانها لان مكتبى ومكتبتى فيها ومااقدرشى استغنى عنهم..لأن ساعات كثير بحس أنى محتاج أريح علشان أقدر أنى أكمل الكتابه وحايكون أفضل لو كان فى سرير فى غرفة المكتب ...

فتهز عبير رأسها

خلاص مافيش مانع

فتنظر إليها والدة يحيى متسائلة والابتسامة ترتسم على شفتيها

نقرأ الفاتحه

فتبتسم عبير وتهز رأسها قائلة

نقرأ الفاتحه.

ولكن يحيى ينظر إلى عبير قبل قراءة الفاتحه ويطلب منها أن يتحدث معها على أنفراد

تشعر والدته بالقلق وتنظر إليه يعينيها وكأنها تهدده ألا يفعل شيئاْ أحمقاْ ولكنه يتجاهل نظراتها ويصر على طلبه

فتبتسم عبير مرحبه وتصطحبه نحو غرفة المعيشه وبعد أن يجلسان تنظر إليه
متسائلة والابتسامة ترتسم على شفتيها قائلة

خير يا يحيى عايز تكلم معايا فى ايه؟

صمت يحيى قليلاْ وكأنه يجمع الكلمات ويرتبها قبل أن يتحدث معها ثم اندفع يتكلم
بسرعة وبلا توقف كأنما يلقى بحمل ثقيل قائلاْ

أنت طبعا عارفه أنى كنت بحب المرحومه أمل جدا ..وعلشان أكون أمين معاكى ..أنا لسه بحبها وما أعتقدشى أننى ممكن أنسى حبى ليها فى يوم من الأيام

قال ذلك بحرارة ثم صمت ينتظر رد فعلها ولكنه فوجئ بها تبتسم وترد عليه بهدوء
وثقة قائلة

وهو ده السبب الرئيسى إللى مخلينى أتمسك بيك وأكون سعيده لأنك حاتكون زوجى

فينظر إليها يحيى فى دهشة قائلاْ

مش فاهم

فتتسع إبتسامتها وتومأ برأسها وهى توضح له قائلة

يا يحيى أنت فضلت مخلص لمدة خمس سنين لواحده ماتت ..يبقى أكيد حاتكون مخلص ليه

..الأخلاص طبع نادر عند الرجاله بس أنت مختلف ..يبقى البنت العاقله هى إللى تتمسك بواحد زيك ..أنا لما طنط لمحت ليه بأنها نفسها أنى أرتبط بيك ..فرحت قوى لأنها كانت دايما بتحكى لينا عنك وعن أخلاقك وعن التجربه القاسيه إللى عيشتها لما خطيبتك توفيت قبل فرحكم بأسبوع واحد

....وأنك أنصدمت وتعبت لأنك كنت بتحبها قوى .....كنت بحلم أنى أكون ليك الزوجه والحبيبه إللى تنسيك التجربه المؤلمه إللى عيشتها ..وتعوضك عن حبيبتك ..والحمد لله الحلم ده أتحقق

وأوعدك أن معايا حاتكون أسعد زوج فى الدنيا.

تقف وهى تمد يدها إليه قائله

أعتقد نخرج ليهم دلوقتى علشان أكيد زمانهم مستنينا علشان نقرأ الفاتحه

فينظر إليها يحيى فى صمت وقد صارت ملامح وجهه مبهمه فهو لا يعرف أن كان كلامها هذا أسعده أم أثار ضيقه وزاد من حزنه وحيرته

كانت والدته تنتظر عودتهما والقلق كاد أن يفتك بها وما أن عاد يحيى ومعه عبير والابتسامة ترتسم على شفتيها شعرت بالراحة وصاحت قائلة

نقرأ الفاتحه وإن شاء الله الدخله تكون بعد أسبوعين

فيصاب يحيى بالذعر قائلاْ

أسبوعين على طول كده

فتضحك والدته وترد قائلة

وليه نأخرها ..الشقه جاهزه والعريس والعروسه جاهزين يبقى ليه العطله خلينا نفرح بقى

فيستسلم يحيى ويصمت وشعوره بالعجز يسيطر عليه.

عاد رأفت إلى البيت وهو يشعر بسعاده وزهو فقد أصبح رئيسا لقسم البيولوجى بكلية العلوم بجامعته..لم تكن معركة سهله ..كان يعلم أن الكثير من الاساتذه لا يرحبون بتوليه هذا المنصب وكان يفسر ذلك لحقدههم وغيرتهم منه .

.ولكنه كان الانسب سناْ لرئاسة القسم بعد أن توفى رئيس القسم أثر إصابته بأزمه قلبيه مفاجأة..وكما هو متبع فى الجامعات المصريه رئاسة الاقسام تكون بالاقدميه فى التعين والسن.

كانت فريدة تجلس كعادتها فى مثل هذا الوقت بعد فترة الظهيره فى شرفتها تقرأ الجريده وتحتسى كوب الشاى

دخل رأفت عليها وهو يزف اليها الخبر بحماسة قائلاْ بزهو

أخيراْ صدر قرار رسمى بتعينى رئيساْ للقسم..رغم أنف الحاقدين ..كان نفسى تشوفى وجوههم ودمهم بيتحرق من الغيظ..أنا طبعاْ كنت واثق من أنى حاحصل على المنصب .

فترد عليه ببرود وهى تتابع قراءة الجريده

مبروك

فيحدق بها رأفت فى ضيق قائلاْ بحنق وإستنكار

هو ده إللى قدرتى تقوليه ..مبروك

فتزيح فريده الجريده جانباْ وتنظر إليه قائله

فى ايه يا رأفت عايزنى أعمل أيه ..أعمل حفله علشان بقيت رئيس القسم...وبعدين ده شئ كان متوقع ....ثم تعود لمتابعة قراءة الجريده

فيستفزه برودها وردها هذا فيقوم بنزع الجريده من بين يديها ويلقى بها على الأرض ويصيح بإنفعال قائلاْ

عايز أحس أنك فرحانه لزوجك ..ولى نعمتك ....سيدك وتاج راسك .....أحس أنى متزوج من واحده ست ليها مشاعر وبتحس ..مش لوح ثلج بارد

فتطلق فريدة زفرة قصيره فى ضيق وترد عليه فى عجاله وكأنها تريد إنهاء الحوار فى أسرع وقت قائلة

أنا فرحانه ليك يا رأفت ..يارب تكون ارتحت دلوقتى ..علشان تسيبنى أقرأ الأخبار فى هدوء

فيحدق بها رأفت وهو يرمقها بنظراته الغاضبه للحظات ثم يهز رأسه وهو لايروق له شعورها تجاهه بل يستنكره فينظر لها قائلاْ

أنت بتكرهينى يا فريده ..فاكره انى ظلمتك .. وانى السبب فى أن ابنك هاجر وسابك ...مع أن العكس هو الصحيح ...أنا أنقذتك ...... أيوه أنقذتك

...كان ممكن حد غيرى يتزوجك وبعد ما يأخذ فلوسك يطلقك ويكون مصيرك الشارع أنت وأولادك ..بس أنا حافظت عليكى وربيتلك أولادك ..بس عمرى ما شوفت فى عنيكى نظرة رضا واحده على إللى عملته معاكى
...
أما ابنك فهو من يومه وهو طايش مش عارف مصلحته ومايستحقش أنك من الأصل تفكرى فيه ...ناكر للجميل مافكرشى أنه يتصل بيكى ولو لمره واحده يطمن عليكى ..
غير وقحته معايا وطولة لسانه على الرجل إللى رباه وكبره لحد ما بقى شاب .

فتهز فريده رأسها وقد سيطرعلى ملامحها الجامده الحزن بدا لمن يراها أنها أوشكت على البكاء ولكنها لن تبكى فقد جفت الدموع من عينيها ..بكت كثيرا من قبل .

فلم تكن تملك غير الدموع لتبرد تلك النيران الملتهبة بقلبها..ولكن لا فائده من البكاء ولا فائدة من الجدال فلا شئ يفيد ....فنظرت إليه بنظرات جامدة ...قائلة

مالوش لزوم الكلام يا رأفت ياما أكلمنا كثير وماكناش بنوصل لطريقه للتفاهم ..كان بينتهى بينا الحوار بثورتك عليه وإتهامى بالجحود ونكران الجميل أنا وأولادى.

فيصيح فيها رأفت قائلاْ بإصرار وهو يشير بسبابته فى وجهها

وهى دى الحقيقه إللى لازم تكونى عارفاها ...أنت من غيرى كنتى حاضيعى لأنك ساذجه ومن السهل يضحك عليكى ..بس أنا حميتك وحافظت عليكى ..أى حد غيرى كان أتزوجك كان ضيعك أنت وأولادك.

وبكل برود تشكره

شكرا يا رأفت .. فى حاجه ثانيه ولا خلاص

فيرمقها رأفت بنظرات غاضبه ولكنها تتهرب من ملاقاة عينيه وتلتقط الجريده من على الأرض وبكل هدوء تتابع قراءة الجريده فيكتم غيظه وساد الصمت بينهما فتره ليست بالقصيره وفريدة تتصنع أنها تتابع قراءة الأخبار حتى تتهرب من إستكمال الحديث معه ...فيسألها رأفت

كلمتى رجاء فى الموضوع

فتجيبه دون النظر إليه

لسه


ومستنيه أيه..قومى كلميها خلينا نخلص .

فتضع فريده الجريده جانباْ وتهز رأسها قائلة فى إستسلام

حاضر يا رأفت ..حاضر.

كانت أميرة جالسة باسترخاء على الأريكة فى حجرة المعيشة تشاهد فيلمها المفضل ( سيدة القصر ) على إحدى المواقع العربية على جهاز اللاب توب الخاص بها عندما سمعت جرس الباب

..أصابتها الدهشة مشوبة بقلق فهى لا تتوقع أحداْ..نهضت من مكانها وتطلعت من العين السحرية قائلة فى دهشة

معقوله دكتور محسن !!!!

الحلقة الثامنة من قصة المنزل الزجاجى

عادت رجاء إلى البيت وبنفسها انهيار تام وإحباط... دخلت غرفتها فى هدوء....أغلقت الباب وراءها جيداْ....سلمت جسدها لفراشها .... تمسك بيدها عدد المجله تتأمل صورة الغلاف ساعات وساعات والدموع تنساب من عينيها والأسئله تصرخ برأسها غير مصدقه ...

حاتم منصور متزوجاْ ؟؟؟

تأملت صورة زوجته بنظرات حسرة وغيره وحزن ..فيالها من فتاة جميلة لا يعيبها شيئاْ واحدا....تبدو وكأنها إحدى نجمات السينما ..شعرها... وجهها... ملامحها ....جسدها ...أناقتها ...تجمعت فيها كل مواصفات الجمال وكأنها إحدى عرائس الباربى الشهيرة .

تأملتها مرة أخرى بنظرات الحسرة متسائلة

أين أنا من فتاة مثلها؟؟؟

والسؤال الأهم الذى ظل يصرخ فى وجهها

ماذا يريد منى حاتم منصور إذن؟؟؟ فهو متزوج وزوجته غاية فى الجمال والأناقة ...إين أنا منها ؟؟؟

يمر بذهنها كلامه إليها كشريط سينمائى تستعيده مرة بعد الأخرى والدموع تنساب من عينيها

غاصت برأسها فى وسادتها وهى لازالت تتأمل صورة زوجته تبحث عن أى عيب بها ..لتقنع نفسها بأنه هو السبب الذى دفع حاتم أن يبتعد عنها ويتقرب منها هى

ولكنها لا تجد شيئاْ.... فألقت بالمجلة بعيدا فى عصبيه وصاحت صارخة وكأنها ترد على صوت يحدثها

....لا يمكن أن يكون غرضه العبث معى؟؟

لاه مستحيل ..مستحيل .. ..أنا مش جميله ولا فيه أى مقومات تدفع أى رجل أنه يحاول أنه يتسلى معايا

صاحت صارخة بألم وحسرة

لن أكون كالنعامة وأدفن رأسى فى الرمل ...الحقيقه واضحه كالشمس ...حاتم متزوج ...وله حياته الخاصه به ..أما أنا فلم يعد من حقى أن أحلم ..هكذا قالت لنفسها

فتستسلم للبكاء الحار الهائج الثائر الحزين وهى تردد

ليه ...ليه قابلته وليه قرب منى...أنا كنت عايشه حياتى والأمل جوايا بيموت أنى ممكن أقابل الانسان إللى يحس برجاء الانسانه وبقلبها.... اللى كل امله فى الدنيا انه يقابل قلب يحس بيه.... .

.كنت خلاص فقدت الأمل واستسلمت لواقع مش ليه أى يد فيه وكان لازم أستسلم وأصبر ..لحد ما فجأه يظهر حاتم منصور فى حياتى ويقرب منى ويقولى أنى بقيت كل حياته ...

حاتم منصور الحلم إللى حتى ما كنتش أجرؤ انى احلم بيه ..كنت بستنى انه يقولى ( أحبك وأريد أن أتزوجك)

أهى أمنية صعبة المنال ومستحيلة؟؟؟

تسائلت وهى تبكى بحرقة ظلت تبكى وتبكى تفرغ الشحنة الغاضبة الهائجة بداخلها وهى تردد

ياريتنى ماكنت قابلتك ياحاتم ولا ظهرت فى حياتى

فتصمت والدموع تنساب من عينيها وهى ترى الحلم الجميل الذى عاشته يتحول لكابوس ويجب أن تستيقظ منه وتنساه لأنه لم يعد حلمها وليس من حقها .....نعم ليس من حقها

وبعد أن هدأت قليلاْ مسحت بيدها دموعها وحدثت نفسها قائلة

لازم أبعد ياحاتم لأنك عمرك ماحاتكون ليه ..أنا ممكن أكون بالنسبالك مجرد نزوه ..أما أنت بالنسبالى كل حياتى والامل اللى ممكن اعيش من أجله ..لو أنت فقدتنى مش حاتخسر اى شئ ....

أما أنا لو فقدتك حاخسر كل شئ..الوداع يا أمل جميل داعب خيالى وزار قلبى وأحياه.... لكن من ثانى حايموت الامل جوايا...

كأنى حلقت بين السحاب وملكت السماء بقبضة واحده من يدى وفجأه سقطت لأصتطدم بالأرض الصلبه. .ويموت الحلم بيد الواقع ...... ياله من حلم جميل وقصير جدا.

وبينما كان عمر فى محل البقالة القريب من منزله يقوم بشراء بعض لوازم المنزل كما طلبت منه والدته.... يلمح جارته الجديده وهى تقوم بشراء لوازمها..

أخذ يحملق بها وعاد يخفض عينيه فى سرعة وكأنه يخشى أن تضبطه وهو يتأملها....فجأة رفعت عينيها ولمحته تلاقت الاعين وابتسمت ابتسامة خفيفة ثم اتجهت نحوه وحيته بحرارة قائلة

مساء الخير يا بشمهندس عمر

فيرد عليها عمر التحيه قائلاْ

مساء الخير

حتى يتنبه مرددا

بشمهندس عمر !!

فتتسع إبتسامته التى تعكس دهشته لمعرفتها باسمه ومهنته

فتدرك هى ذلك فتهز رأسها قائلة

طبعا أكيد أنت مستغرب أنا عرفت اسمك ازاى ؟ الحقيقه النهاردة أتعرفت على الست والدتك وبصراحه هى انسانه جميله جدا وطيبه قوى وهى اللى عرفتنى عليكم

فيبتسم عمر وهو يتأملها بنظرات تنم على إعجابه بها ويسود الصمت بينهما للحظات كلاْ منهما ينظر للآخر ..ولكنه سرعان ما يعاتب نفسه فهى فتاة متزوجه وليس من حقه تلك النظرات ...فيسألها قائلاْ

اخبار ابنك الشقى ايه ؟

فتعقد حاجبيها فى دهشة مردده

ابنى ...آه قصدك هيثم ...بخير بس الحقيقه هو مش ابنى ..هو اخويا

فيحدق بها عمر وهو لا يصدق قائلاْ بإنفعال عكس سعادته

معقوله .. اخوكى ..بجد ..هايل

فتحدق به بدهشة

فيدرك ذلك فيعتذر قائلاْ

اعذرينى اصلى كنت فاكر انه ابنك وبصراحه كنت مندهش لان شكلك صغير عن انك تكونى زوجه وأم.

أحنا ثلاث اخوات اختى الكبيرة متزوجه وعايشه فى السعوديه مع زوجها وأولادها وأنا عندى 24 سنه وبعد كده هيثم أتولد فى الأخر وتقريبا أنا إللى متوليه كل أمورة وهو مرتبط بيه كأنى والدته مش اخته

فيشعر عمر براحه وتنشرح خلجات وجهه وهو يرمقها بنظرات متأملة

فتشعر هى بالخجل وتستأذن منه قائلة

عن إذنك أحسن كده حاتأخر وبابا وماما ممكن يقلقوا عليه

فيبتسم عمروهو يرمقها بنظراته المعجبة بها قائلاْ

أنا سعيد جدا لأنكم نقلتم هنا وأنكم جيرانا

فتشكره وتكمل طريقها

فيتنبه عمر انه لم يعرف اسمها بعد فيطلب منها أن تنتظر

فتلتفت اليه متسائلة

خير فى حاجه؟؟

انا ماعرفتش اسمك ايه؟

فتبتسم وتجيبه قائله

ياسمين ..اسمى ياسمين

فتتسع ابتسامته قائلاْ

اسم جميل وبما أننا جيران يبقى لازم أوصلك علشان مافيش حد يتعرض ليكى فى الطريق

فتهز رأسها فى ترحاب

فيحمل عنها الأكياس التى معها وأوصلها إلى شقتها

فنظرت إليه ونظر إليها والابتسامة تنر وجهيهما ويودع كلا منهما الاخر دون ان ينطق احد بكلمة

فيشعر عمر بسعاده غامره تجتاحه ويدخل شقته وهو يطلق صفيرا غنائياْ ويهز رأسه فى سعادة

ليجد والدة رأفت تجلس امام التلفاز تشاهد المسلسل.... فما ان يراها حتى يلقى عليه التحيه فى سعادة قائلاْ

مساء الخير يا احلى جدة فى الدنيا ..تعرفى مع انك فى الحقيقه مش جدتى بس بعتبرك زى جدتى اللى ماشوفتهاش

فتحدق به والدة رأفت فى دهشة فهى ليست معتاده منه على هذا الكلام

ولكن عمر يتجاهل تعبيرات وجهها التى توحى بدهشتها ويسأل عن والدته

فتخبره بانها فى المطبخ تعد طعام العشاء

فيكمل دندنته ويهز رأسه فى سعاده ويدخل غرفته

فتضرب والدة رأفت كفا على كف قائلة

الله الوكيل ولادك يافريده كلهم مجانين ان مافيهم حد عاقل... الكبير طفشان والثانى اما ساكت ومكشر وشايل هم الدنيا ....اما زى دلوقتى عمال يغنى ويصفر من غير سبب ..

حتى الرجاء النهاردة قافله على نفسها فى حجرتها ومش راضيه تكلم مع حد مع انها بقالها فتره كانت مبسوطه وسعيده .. وهانى طول الوقت صايع مع اصحابه ولا حاسس بحد غير نفسه.

ثم تمط شفتيها فى حسره قائلة

ياخيبتك يا رأفت يابنى فى حياتك ولا جوازه عدله ولا ذريه تفرح.

كان على أميره أن تمر على معمل الدكتور محسن لتطمئن على عينات البحث ..فبعد أن انتهت من إرتداء ملابسها وحملت حقيبة يدها وأطمئنت أن جميع نوافذ الشقة مغلقة ..أغلقت الباب خلفها وشقت طريقها نحو المعمل

حتى تسمع صوت إيهاب ينده عليها وهو يركض محاولاْ الالحاق بها حاولت ان تتجاهله وتكمل طريقها ولكنه يلحق بها قائلاْ

أميره ..

فلا تجد مفر من ان تقف وتلتفت اليه متسائلة بلهجة جافة

خير يا إيهاب فى حاجه؟؟

فيرد عليها وهو يحاول أن يلتقط أنفاسه اللاهثة

انت فين بقالى اكثر من اسبوع ما شوفتكيش من آخر مره كنا مع بعض عند حمام السباحه

فترد عليه فى عجالة قائلة

انا الحقيقه مشغوله جدا اليومين دول

ربنا يوفقك ...ثم يومأ برأسه وينظر إليها قائلاْ

عندك مانع أعزمك على العشاء النهارده

فتعتذر اميره بلا تردد

لاه أعذرنى أنا لازم أمر على المعمل وأعتقد أنى ممكن أتأخر لساعات

خلاص نأجلها ليوم السبت ...علشان اجازه (الويك اند)..

لاه انا عندى شغل كثير ومحتاجه انى انتهى منه فى الاجازه

فيدرك إيهاب أنها لا تريد أن تكون معه فيحدق بها متسائلاْ

فى ايه يااميره انا حاسس وكأنك بتتجنبى انك تكلمى معايا

فتصمت أميره للحظات وكأنها تفكر ماذا ستقول له حتى تقرر أن تواجهه قائلة بانفعال

الحقيقه ياايهاب من غير مايكون فى زعل .. احنا مختلفين فى كل حاجه وكمان أنت

شخصيه غريبه بالنسبه ليه..

.ثم تصمت مرة أخرى وكأنها تبحث عن الكلمات المناسبة ثم تستطرد قائلة

بصراحه مش احب ان يكون ليه اى علاقه بيك

فيعقد إيهاب ذراعيه أمام صدره وبلهجة ساخرة يسألها

مش فاهم..قصدك أيه يا دكتوره

اميره بانفعال

انت نموذج لشاب مستهتر جاحد القلب عايش حياتك بهمجيه من غير اى تخطيط ولا هدف وانا مابحبش النوع ده من الشخصيات

حدجها ايهاب للحظات وعلى وجهه تعبيرات جامدة لا تنم على غضبه او ضيقه مما

قالته وبكل برود يرد عليها قائلاْ بلهجة بدت لأميره إستفزازيه

ياه ما كنتش أعرف أنى شخص سيئ للدرجه دى

مما يثير ضيق أميره فتقرر ألا يأخذها به الرحمه وتواجهه بحقيقة إنطباعها عنه وتؤكد له قائلة

لان هى دى الحقيقه الواضحه لاى حد يعرفك ثم تستطرد قائلة بلهجه توحى بالتهكم والاستنكار

انت بقالك اكثر من خمستاشر سنه فى امريكا ماحاولتش انك تكمل تعليمك ولا تشتغل عمل مفيد..بتقضى وقتك بين الشغل فى المطاعم والبنزينات ...والسهر بعد كده مع البنات والستات ...

حياه همجيه مستهتره .....انا بجد صعبان عليه والدتك الغلبانه اللى ممكن يكون الشئ الوحيد اللى بيصبرها على بعدك...... هو انها فاكره انك زمانك بتعمل شئ مفيد ..

كملت تعليمك وأشتغلت وأصبح ليك اسره واولاد..اكيد حسرتها عليك حاتكون اكبر لما تعرف حقيقة الوضع المخزى اللى انت عايشه ..

تصمت للحظات وهى تهز رأسها ويدها فى حركات توحى بإستنكارها وعدم تقبلها لما يفعله ثم تستطرد قائلة وهى تنظر إليه فى أسف لحاله

انت مابتعملشى اى حاجه فى حياتك يايهاب . بخلاف طبعاْ أنى مش قادرة أتخيل أزاى قدرت تبعد عن وطنك ووالدتك لأكثر من خمستاشر سنه من غير ما تحس بالحنين ليهم!!!

فيتأملها ايهاب فى صمت ثم يهز رأسه وكأنه لا يروق له كلامها ويهزأ به ثم يرد عليها ببرود قائلاْ

انا مش فاهم ايه فايده انى اخذ شهاده مادام قادر انى اشتغل واصرف على نفسى ....الشهاده والاسره والاولاد هيضيفوا ليه أيه؟

أنا عايش سعيد من غيرهم ومش ناقصنى أى حاجه...أما بقى موضوع الوطن والأم دول شعارات وسبق وقولتلك أن الام إللى ماتقدرشى تحافظ على حقوق ولادها ما تستحقش أنها تكون أم وأنى أشغل نفسى بيها.

قال ذلك بلهجة قاسية حادة

تفاجأ أميره برده هذا فتحدجه بنظرات إستنكار وتجادله قائلة

الشهاده دى كيانك .....قيمتك قدام الناس....وطنك ووالدتك دول جذورك إللى ما ينفعشى بأى حال من الأحوال أننا نتنكر ليهم.

فيومأ برأسه فى سخرية ويرد عليها بثقة

الكلام ده فى مصر ..هنا مقياس الانسان بالفلوس اللى معاه ..معاك فلوس الكل يحترمك وتقدر تعيش ..مافيش فلوس مافيش أى حد يهتم لأمرك.....وشعارات الوطن والام كلام ينفع للأغانى وبس ..قال ذلك بنبرة عاليه وكأنه يقاوم تعاطفاْ بداخله.

فتنظر اليه بتحد متسائلة

وانت معاك فلوس يا إيهاب؟؟؟

رمقها بعينيه قليلاْ ثم هز كتفه وعلى وجهه ابتسامة بارده وأجابها بلا مبالاه

بقدر احصل على اللى بيكفينى أنى أعيش يومى وأنا راضى وسعيد

فتهز أميرة رأسها وهى تشعر بالاسى على حاله وطريقة تفكيره قائلة

انت بجد صعبان عليه ومش انت بس غيرك من المصريين والعرب اللى بيكون قدامهم هنا فرصه كبيره انهم يحسنوا من نفسهم واوضاعهم بس هما بيضيعوها علشان بيستسهلوا ... وللاسف بتعيشوا وتموتوا من غير مايكون ليكم اى قيمة او تأثير.

ثم تستطرد قائلة بلهجة توحى بالحسرة

للأسف يا ايهاب هناك ألف شاب مصرى يتمنون مكانك...علشان يستفيدوا من العلم والتقدم فى مجال المعرفة المتاح هنا ...

أنا بجد بحزن لما بقرأ فى الأحصاءات أن أكثر من 93% من اليهود فى أمريكا بيتعلموا فى أكبر وأهم الجامعات وبيشتغلوا فى أعلى وأهم المناصب والشركات ..فى حين أن كثير من الشباب العربى لما بيجوا هنا بيفرحوا قوى لما بيشتغلوا فى مطعم أوبنزينه ..

...و منهم إللى بيكون كل أمله أنه يتزوج من واحده أمريكيه عنيها ملونه وشعرها أصفر وبعد كام سنه ينزل أجازه لبلده وهو شايل فى جيبه جهاز ( أى بود) وفى أديه (أى فون) وطبعاْ معاه البنت الأمريكيه الحلوه علشان يستمتع بنظرات شباب أهل منطقته وهم بيحسدوه على الأمله إللى وصل ليها

...ما خلاص ربنا فتحها عليه بعد ما كان قاعد فى القهوة مش لاقى شغل وتكثر الحكايات.... أنه ناوى يشترى شقه على النيل وأنه معاه فلوس مالهاش حد ...وهو فى الحقيقه ولا حاجه.

للأسف يا إيهاب الشباب إللى زيك مابيحاولش أنه يحسن من أوضاعه بالدراسه ويستفيدوا من المعرفه والعلم .....أحنا كثير بنحب نستسهل والنتيجه أننا مابنتقدمش .

ثم تنظر فى ساعة يدها وتنظر إليه قائلة بلهجة ذات معنى

أنا حاتأخر وبصراحه شغلى أولى بوقتى من أن أضيعه فى الكلام معاك ...لأن من الواضح أنه حايكون مضيعه للوقت من غير أى فائده.

لم يرد عليها إيهاب بل وقف يراقبها وملامح وجهه جامده لاتنم على أى تعبير حتى أختفت من أمام عينيه