السبت، 24 أكتوبر 2009

الحلقة الثانية عشر من قصة المنزل الزجاجى


عقدت رجاء حاجبيها فى دهشة متسائلة بترقب

شرط أيه؟

أنا عارف طبعا انك تعملين محاسبه فى إحدى البنوك ..وحتى أكون صريحا من البدايه... أنا مقتنع تماما بأن عمل المرأه هو السبب الرئيسى فى إنحدار أخلاق الشباب فى مجتمعنا

وأنه بدعه طلع علينا بيها الغرب وللأسف إنسقنى وراءها كما دوماْ نفعل...
والنتيجه هى إللى أحنا شايفينها من تدهور أوضاع المجتمع .ليس فى الاخلاق فقط ولكن فى مختلف الامور.

كانت رجاء تنصت إليه بإهتمام تحاول أن تستوعب ماذا يريد أن يقول وقد بدا على ملامحها أنها لاتستوعب ما قاله أو بمعنى أصح فوجئت به وأدهشها رأيه .

استطرد فؤاد قائلاْ بثقة ويقين

يا اخت رجاء زى ما قولتلك أن مكان المرأه الطبيعى هو بيتها...فطبعا بعد الزواج إن شاء الله سوف تنقطع كل علاقتك بهذا العمل ..... وكما قال الله سبحانه وتعالى فى كتابه العزيز (وقرن فى بيوتكن)

يعنى ايه حاقعد فى البيت ..مش حاشتغل ؟؟

البيت حايكون هو شغلك وحياتك وان شاء الله بعد كده أولادنا ..هو فى أعظم من مهنة الام ..والله سبحانه وتعالى كرم الام .والجنه تحت اقدام الامهات ..هل تتخلين عن الجنه من اجل العمل ؟

بس انا بحب شغلى وعمرى ما فكرت انى ممكن اسيبه وبعدين فى ستات كثير بتشتغل ومتزوجه فى نفس الوقت وقادرين يوفقوا بين الاثنين بنجاح وحياتهم مستقره .

يا اخت رجاء صلى على النبى عشان ربنا يباركلك ويهديكى الى الصواب بإذن الله

عليك أفضل الصلاة والسلام يا رسول الله

زمان كانت المرأه تربى على انها إمرأه ..وأن مصيرها هو الزواج وأهم شروط الزوجه هو الطاعة العمياء للزوج الذى هو قائد البيت ورب نعمتها وأن مهمتها الاولى هى تربية اولادها والاهتمام والرعايه ببيتها ..لذلك كان المجتمع ناجح ومستقر .

.أما بعد النظريات الشيطانيه اللى طلع علينا بيها الغرب وللاسف انساق وراءها بعض المفكرين والسفهاء والتى نادت بحرية المرأه فى الاختيار والتعليم والعمل بعد ذلك

ضلت المرأه طريقها وأصبحت مثل المسخ ولا هى إمرأه ولا هى رجل ...تسعى للمساواة والتعليم والعمل وتهمل فى واجبها اتجاه بيتها واسرتها ومن يدفع الثمن فى النهايه ...المجتمع بالطبع

إرتفعت نبرة صوته وصبغت بطابع الإلقاء وكأنه يلقى محاضرة على الطلبة أو يلقى بخطبة الجمعه على المصليين واستطرد قائلاْ بتأثر وإستنكار

والابناء هم الضحية لأن الام غاب وجودها الفعلى فى تربية اولادها ومتابعتهم وغرس القيم والاخلاق الحميده فى نفوسهم وبالتالى اصبح لدينا اجيالا من الشباب الضائع ..وإنتشر الفساد الاخلاقى كما نرى اليوم ونسمع.ربنا يحفظ ذريتنا إن شاء الله ويعافينا برحمته

حدقت به رجاء بدهشه وإستغراب ولكنها فضلت الصمت وألا تجادله حتى ينتهى من كلامه..

فأستطرد فؤاد بكل ثقة كلامه وهو يحاول إقناعها بوجهة نظره

يا اخت رجاء رجوع المرأه اللى دورها الاساسى فى الحياه هو مفتاح صلاح المجتمع والعوده اللى قيمه الاصيله والتى كانت سببا رئيسيا فى نجاحه وإستقراره .

تنهدت رجاء وهزت رأسها قائلة

بس انت مش مقتنع بعمل المرأه بس انت كمان مش مقتنع بتعليمها...ازاى فى ظل التحدى التكنولوجى اللى احنا عايشين فيه مش عايز المرأه تتعلم....

!! يعنى الام المدرسه ازاى تخرج اجيال واعيه وفاهمه وهى نفسها جاهله.

فهنا يصيح ويخبط كفاْ على كف قائلاْ بإنفعال

ماهو ده الكلام اللى بيضحكوا بيه على عقولنا ..وماهى أهمية التكنولوجيا التى تتحدثين عنها ؟؟؟..فما هى إلا اختراعات شيطانيه أدت فى النهايه إلى فساد حياتنا وتعقيدها ..

بصراحه تفكيرك غريب يا أستاذ فؤاد .....يعنى التكنولوجيا والاختراعات اللى فادت البشريه دى كلها مش مقتنع بيها

مثلا يا اختى الفاضله عندك هذا الاختراع الشيطانى الذى يسمى الكمبيوتر ومن بعده الانترنت ..أنه وباء فى منزل كل اسره

عقدت رجاء حاجبيها فى دهشة مرددة

وباء ليه؟

طبعا وباء وخطر كبير .... الاطفال اللى بيضيعوا وقتهم ويدمروا عقولهم وهما بيقضوا الساعات والساعات امام هذا الجهاز اللعين..... يلعبون العاب لا فائدة منها غير تدمير عقولهم وتسطيحها ...الشباب اللى بيتيح لهم هذا الجهاز مشاهده الافلام الاباحيه والصور المخلة فيثير شهواتهم ويفسد اخلاقهم
...
فتجادله رجاء قائلة

كل شئ فى الدنيا ليه عيوب وليه مميزات الكمبيوتر والانترنت زى ما فى العاب وافلام اباحيه زى ما بتقول... فيه معلومات وكم هائل من المعرفه لا حصر لها

وتستطرد قائلة

...تخيل لما تحب أنك تقرأ بحث معين او تعرف معلومه معينه خلال ثوانى معدوده تقدر تتعرف على كل اللى انت عايز تعرفه ..دى ثوره تكنولوجيه معلوماتيه هائلة

غير انه سهل كثير فى مجال العمل وغيره وغيره من مميزات لا حصر لها ..انا بالطبع بتفق معاك ان للاسف بيكون فى استخدام سئ للكمبيوتر والأنترنت بس ده يرجع لغياب دور الاسره وتوجيه اولادها من البدايه التوجيه الصحيح وده دور الاب والام
..
فيشيح فؤاد بيده وكأنه غير مقتنع بكلامها ويصيح قائلاْ

والله من وجهة نظرى ان الفائده الوحيده منه هو انه وسيله رخيصه للاتصال من خلال خاصية التشات بتوفر عن الاتصال الدولى وسعر المكالمات الغالى

أخذت تحدق به فى صمت وقد أدهشها ما قاله وطريقة تفكيره ثم أومأت برأسها قائلة حتى تنهى الجدال فى موضوع التكنولوجيا لأن من الواضح أن النقاش معه سوف يصل إلى طريق مسدود

أستاذ فؤاد بغض النظر عن اعتراضى على معظم كلام حضرتك بس أنا ممكن أتفق معاك ان الزوجه والام لو حست ان بيتها محتاج ليها يبقى طبعا البيت اولى بوقتها ومجهودها وده شئ لا خلاف عليه

..وأنا أكيد ممكن أتنازل عن شغلى فى مقابل إستقرار بيتى والاهتمام بيه

ولكنها تهز رأسها وهى غير قادره على تقبل أفكاره وتستطرد قائلة

...بس طريقة تفكيرك نفسها غريبه جدا بالنسبه ليه ..أنت غير مؤمن بتعليم المرأه ...طب ازاى تربى اجيال وهى نفسها جاهله فكريا؟؟

. أنا مش قادره استوعب ان فى حد بيفكر زيك كده فى العصر اللى احنا عايشين فيه .
يا اخت رجاء خلينا واقعين انا جدتى رحمة الله عليها كانت جاهله ..اميه وانجبت والدى وكان محامى ضليع فى القانون وعمى مدير مدرسه فاضل .

ووالدتى لم يكن معها سوى دبلوم تجارى وربتنا احسن تربية وبفضل تربيتها الكريمة لنا ..الحمد لله تعلمنا أحسن علام فأخى الاكبر بلا فخر طبيب واخى الاخر محامى مثل والدى رحمة الله عليه وأنا مهندسا واختى طبيبه واختى الاخرى معلمة فاضلة
.
فتعقد رجاء حاجبيها قائلة

يعنى اخواتك البنات متعلمات و بيشتغلوا كمان

وهل انا راضى عن حياتهم ..بالعكس فانا عندما ارى كم يرهقون انفسهم فى محاولاتهم للتوفيق بين العمل وواجباتهم المنزليه ....اشعر بالاسى والشفقة عليهن .

بدا على ملامح رجاء أنها ليست مقتنعه بكلام فؤاد....فنظر إليها فؤاد مؤكداْ

يا اخت رجاء هذا هو شرطى ولن أقبل التنازل عنه لأننى مقتنع بيه والحمد لله ..وأنت لك حرية الأختيار بين الزواج منى وبين عملك ومهما كان أختيارك أنا متقبله

.ولكن أسألك سرعة التفكير فكما تعلمين أنا وقتى ضيق وأتمنى أن أنتهى من موضوع الأرتباط هذا فى أسرع وقت حتى أعود إلى عملى فى مدينة جده قبل إنتهاء فترة الأجازه .

أخذت نفساْ عميقاْ ونظرت إليه بنظرات حيرة مشوبة بخيبة أمل وفضلت الصمت حتى تعطى لنفسها فرصة للتفكير.

بعد أن انتهت أميره من ساعات عملها مرت على المول لشراء لوازمها ..وأثناء تجولها فى المول لمحها إيهاب وأتجه نحوها وحياها قائلاْ

مساء الخير

فوجئت به أميره ..إبتسمت قائلة

مساء الخير

ألقى بنظره سريعه على عربة المشتريات الخاصه بها ولمح لفة بها سمك مجمد فعلق قائلاْ

فى محل بيبيع سمك طازج قريب من محطة الأتوبيس...أسعاره معقوله وطعمه حايكون أفضل كثير من السمك المجمد..

لو تحبى أنا ممكن أشترى ليكى كمية السمك إللى انت عايزاها.....صدقينى حايكون طعمه أفضل كثير وممكن لو تقبلى طبعا أننا نشوى سمك النهاردة عند المكان الخاص بالشوى فى المجمع السكنى عندنا ...أنا بشوى كويس جدا ...ده طبعا لو أنت مش عندك مانع.

وقبل أن توافق أميره على إقتراحه تذكرت موعدها على العشاء مع دكتور مايكل ..فأعتذرت قائلة بلطف

الحقيقه أنا مشغوله جدا النهارده ...بس أكيد ممكن فى وقت ثانى

ظن إيهاب أنها لازالت لا ترغب فى ان تكون لها اى علاقه به ...شعر بالحرج والضيق وبهدوء انسحب قائلاْ

أنا آسف إن كنت ضايقتك وأوعدك لو شوفتك فى أى مكان بعد كده مش حاحاول انى أتكلم معاكى ..قال ذلك وانسحب من أمامها

حاولت أميره أن توضح له الامر ولكنه لم يعطى لها الفرصه ففى ثوانى معدوده كان قد اختفى من امام ناظريها

لامت نفسها لأنها لم تخبره عن موعدها مع دكتور مايكل ..ولكنها صاحت قائلة فى ضيق

وهو ماله ليه أقوله انا حاكون مع مين ولا حاكون مشغوله فى ايه ..هو مش وصى عليه ولازم يعرف كل خطواتى ....وأنا اصلا مضايقه ليه انه زعل

..وبعدين كده افضل ..أنا من الاصل مش عايزه يكون ليه أى علاقه بيه ..واتمنى انه يكون زعل بجد عشان يبطل انه يحاول يتكلم معايا ثانى

..ثم تنظر الى علب السمك المجمد وتصيح فى غيظ وضيق قائلة

انا اصلا مش بحب السمك المشوى .

حبست رجاء نفسها فى غرفتها ظلت تفكر وتفكر حتى اعياها التفكير ..هل توافق على الارتباط بفؤاد ..

وهل مثلها له حق الرفض ؟ يجب أن تكون واقعية مع نفسها فهى ليست جميله بل انها اقل من العادية ولا يتهافت عليها الخطاب حتى يكون لها الحق فى الاختيار والرفض كما تريد

.. قد يكون فؤاد هو فرصتها الوحيده للزواج ...ولكن هل سيكون زواجا سعيدا؟ أم ستكون حياتها جحيماْ...

.هل فؤاد هو الزوج المناسب لها ؟ هل ستكون سعيده معه ؟ أم أنها تلقى نفسها فى نار لن يحترق بها احد غيرها ...

ظلت تفكر وتفكر توالت عليها الافكار وكأنها عواصف هوجاء صارت تدفعها وتطيح بها يميناْ ويساراْ بلا شفقة وهى عاجزه عن مقاومتها والوصول الى قرار

بداخلها أحلام وآمال تمنت أن تعيشها مع زوجها المنتظر ...ومن الواضح أن فؤاد بعيد كل البعد عن تلك الصورة التى تمنتها ورسمتها فى خيالها لزوجها....

هل تتنازل عن تلك الأحلام وتتقبل فؤاد وترضى بحياتها معه ؟ أم تنتظر ..ففى الإنتظار الأمل فى أن يتحقق ما تريد وتحلم ..أما قبول الزواج من فؤاد يقضى على أى أمل.

يالها من حيرة ...

فؤاد ليس شخص سيئ هكذا قالت لنفسها ..بالعكس فهو شاب واضح وصريح ولم يحاول خداعها كما يفعل الكثير من الرجال ..

من يرسمون أحلام ويفرشون الأوهام حتى يتم الزواج وبعد ذلك يخلعون عن وجوهم القناع المزيف لتظهر حقيقة نواياهم وأفكارهم ...

هل نست صديقتها دعاء التى تزوجت وهى فى السنة الأولى من الجامعه وقد وعدها زوجها بمساعدتها بعد الزواج فى إستكمال دراستها .

ولكن بعد حملها وإنجابها لطفلهم الأول أصر على أن تكف عن إستكمال الدراسة حتى ترعى الطفل ومر عام بعد الآخر.

.وكلما فاتحته فى أمر عودتها للجامعه تهرب منها وتحجج بأنها لن تستطيع التوفيق بين الدراسة والبيت .. ولم تكمل دراستها الجامعيه حتى الآن .

وهل نست قصة الحب الشهيرة والتى كانت حديث الطلبة فى الكلية بين معيدة قسم الإحصاء ومعيد قسم المحاسبة وبعد قصة حب استمرت خمس أعوام أنفصلا لأنه كان يغار من عملها ونجاحها وطلب منها أن تترك الجامعة .

ولكنها لا يعنيها بشئ أن تترك عملها من أجل زوجها ..فهى على إستعداد أن تفعل أى شئ حتى ترضى من تحب ..ولكن ما يشغلها أنها لاتشعر بأى مشاعر نحوه بل فى أحيان كثيره تشعر بالنفور منه .

أين هو من أحلامها ...ولكن أين أحلامها من واقعها؟

هل يجب أن تتخلى عن أحلامها.. من أجل أن تعيش واقعها؟

أنه السؤال الصعب الذى يجب أن تجد الإجابه عليه ..ولن يجيب عليه أحد غيرها .


..بعد أن إنتهت أميرة من إرتداء ملابسها حملت حقيبة يدها فى عجاله كى تذهب إلى دكتور مايكل الذى كان ينتظرها بسيارته عند الباب الخارجى للمجمع السكنى الذى تسكن به

... كانت ترتدى تايير أنيق اسود اللون به بعض التطريزات اللامعه على اطرافه قد أشترته حديثا من إحدى المحلات الأمريكية الشهيره للأزياء أثناء فترة الخصومات كى ترتديه يوم مناقشة الدكتوراه

..أضافت لمسات خفيفة من مساحيق التجميل على وجهها مما زادها جمالاْ وأخفى أثار الإرهاق التى كانت تترك بصماتها واضحه على وجهها

..كانت انيقه جميله صاح مايكل مبهورا بجمالها عندما رآها تقبل عليه قائلاْ

كليوبترا الجميله وأنحنى ليقبل يدها

إتسعت ابتسامة اميره وسعادتها لإطرائه عليها قائلة بصوت خجل هادئ

مرسى

واسرع ليفتح لها باب سيارته

فركبت السياره واغلق هو بابها

واتجه مسرعا ليقود سيارته منطلقا ليخترق الطريق متجها نحو المطعم الايطالى الفخم فى منتصف المدينة

كانت المره الاولى لأميره فى ان تدخل مطعم ايطالى ..كم كان جميلاْ... المكان هادئ ينبعث منه موسيقى هادئه من سماعات داخليه.... الاضاءه باهته خفيفة تبعث على المكان رومانسيه وهدوء

..الشموع المشتعله موزعة على الطاولات المستديرة الأنيقة أضافت على المكان جمالاْ ورومانسية.

..أختار مايكل طاوله دائريه فى منتصف المطعم وقام بسحب المقعد لأميره فجلست وهى تشكره وسحب هو مقعده ليجلس فى مواجهتها

إبتسمت وهى تتجول فى المكان بناظريها قائلة فى اعجاب

المكان هنا رائع..واعتقد انه غالى

فيبتسم مؤكداْ

هو فعلاْ مكان رائع..انا عادة أحب تناول عشائى هنا..الاكل ممتاز والمكان هادئ ومريح للاعصاب ...خاصة بعد يوم شاق ومرهق من العمل .

يأتى الجرسون ويسألهم بإبتسامة مهذبة عن طلباتهم

فينظر مايكل لأميره متسائلاْ

تحبى تشربى حاجه قبل العشاء

عصير برتقال

فينظر مايكل للنادل قائلاْ

انا صودا ثم يلتقط المينو ويطلب العشاء وينظر لاميره التى كانت بدورها تحاول ان تفهم وتتعرف على طبيعة الاكل ...شعرت بأنها تائهه وكأن الاصناف مكتوبه بلغه جديده عليها لم تراها او تعرف عنها شيئا من قبل ....كانت تبحث عن اى صنف معروف لها ولكنها لم تجد ...

مر وقت ليس بالقصير عليها وهى لازالت تائهه ينتظرها الجرسون وهى يزداد شعورها بالحرج والإرتباك فينظر إليها مايكل متسائلاْ

ياترى اختارتى ؟

فتبتسم وعينيها تبحث فى القائمة بلا فائدة ثم تنظر اليه متسائلة

هو فى هنا سمك فيليه ؟

فيهز رأسه مؤكدا

بالتأكيد

فتشعر بالراحه قائلة

اختار سمك فيليه وشوربه ( سى فود )

دون الجرسون طلباتهما وتمنى لهم قضاء وقت طيب وانصرف

نظر اليها مايكل متسائلاْ

انت لسه زعلانه من الحوار اللى دار بينا عن مصر؟



فتهز اميره رأسها فى نفى قائلة

اكيد لأ انت أتكلمت عن وضع شوفته ولمسته ..انا ممكن اضايقت اكثر من دكتور محسن وايهاب لانى كنت بحس بالسخريه فى كلامهم وانا مابحبش اللى بيسخر من وطنه مهما كان

فيعود مايكل بظهره للوراء وينظر إليها قائلاْ

من خلال معرفتى بالعرب وخاصة بالمصريين إكتشفت أن فى فرق جوهرى كبير فى التفكير بينا

فنظرت إليه أميره بإهتمام متسائلة

وياترى أيه هو؟

فيومأ مايكل برأسه قائلاْ

انتم عاطفيين زياده عن اللزوم ..بتقيموا الامور بالعاطفه اكثر من العقل

فتدافع أميره عن نفسها بثقة

مااعتقدشى ان عيب انى اكون بحب بلدى واضايق لما حد يسخر منها وخاصة لو كان مصرى ودى بلده زى ماهى بلدى.

النقد لا يقلل من حبك للشخص ..او للوطن ..احنا مثلا بننقد دائما النظام والحكومه لو حسينا انهم بيوجهوا البلد نحو المسار الخطأ
...
فتوضح له أميرة قائلة

فى فرق بين النقد والسخريه ..انتم مثلا هنا بتنقدوا النظام والحكومه وبتقدروا تغيروا من مسارها زى ما حصل فى انتخابات الكونجرس سنه 2006 .

وسحبتوا الكونجرس من الجمهورين بعد إثبات فشلهم فى ادارة البلد وكذبهم فى حرب العراق ...لما أوهموا الشعب الأمريكى إن فى أسلحه نوويه فى العراق بتهدد أمن أمريكا وأثبت عكس ذلك..

أما احنا للاسف بننقد ونسخر من اجل النقد والسخريه فقط من غير ما حد يقدم حلول او يساعد فى التغيير.

فيرمقها مايكل بنظرات متأمله قائلاْ

من الواضح انك مهتمه بالسياسه.

انا مهتمه ببلدى وبحبها ومن رأيى لو صلح الوضع السياسى فى أى بلد أكيد حايكون فى إصلاح فى مختلف المجلات ...القيادة الحكيمه هى إللى بتعبر بالبلاد إلى بر الأمان.

بس انت نموذج ممتاز لبلدك ...متغربه عن اسرتك واهلك من اجل العلم ..أنا بحترم جدا امثالك من الشباب .

صدقنى يا دكتور مايكل فى نماذج كثير افضل منى فى مصر من شباب مبدعين ومتفوقين علميا وفكريا ْ...بس للاسف مافيش فرص كافيه للشباب عشان يقدروا يثبتوا ذاتهم ويحققوا أحلامهم وطموحاتهم....

والدليل أن فى نماذج كثير لشباب قدروا يحققوا إنجازات عظيمه لما إتيحت لهم الفرصة فى الخارج.

فيتفق معها مايكل ويؤكد على كلامها قائلاْ

انا بالفعل اشرفت على طلبه من بلدان ناميه كثير..انا نفسى كنت مبهور بذكائهم وكنت بتسائل ازاى بلدهم ناميه وهى عندها عناصر ممتازه مثلهم

فتأخذ أميره نفساْ عميقاْ وتنظر إليه قائلة

الاجابه على السؤال ده محتاجه مجلدات بس ممكن نختصرها فى كلمتين ..الديموقراطيه والعداله الاجتماعيه وتستطرد قائلة

لو بصينا على معظم الدول الناميه حنلاقى ان معظمها دول تغيب عنها الديموقراطيه ماعدا تقريبا دوله واحده وهى الهند واعتقد ان الهند فى طريقها حاليا لطريق الاصلاح وانها تعدل من نفسها

فيهز مايكل رأسه موافقاْ على كلامها

اتفق معاكى...وياترى فى ديموقراطيه فى مصر؟

ديموقراطيه ناقصه ..ما أقدرشى أنكر ان الوضع فى مصر أفضل كثير من دول ثانيه ..بس لسه قدامنا كثير جدا عشان نكون دولة بتمارس فيها الديموقراطيه الحقيقيه..

.بس المشكله الحاليه إللى بتعانى منها مصر ...إن شعبها أصبح تائه فاقد الأمل ..
فى شعور عام باليأس والإحباط وعدم الثقه فى المستقبل .

..فقدوا إيمانهم بقدرتهم على أنهم ممكن يساهموا فى أى تغيير وأن الوضع الحالى هو أفضل وضع لأن أى تغيير حايكون أسوأ.

فيومأ برأسه قائلاْ

بس ده أكيد يرجع لثقافة المجتمع العامه عندكم


ثقافة مكتسبه مش أصيله فى الشعب المصرى والدليل لما تقرأ فى تاريخ مصر حتلاقى أن الشعب ياما ثار وعبر عن رأيه وقدر فعلاْ أنه يغيرالأوضاع الخاطئه إللى كانت قائمه ..

الشعب المصرى إللى ساند عرابى وسعد زغلول ومصطفى كامل وغيرهم من زعماء وثوريين قدروا بصوتهم أنهم يغيروا تاريخ مصر

تنهدت تنهيده عميقه واستطردت وهى تتحدث بحماسة وإقتناع قائلة

.أعتقد أن الأمل الوحيد فى مصر هو ظهور بطل وزعيم حقيقى يقدر يعيد الأمل والحماسه فى الشعب المصرى من ثانى ..أحنا مفتقدين القدوة الحقيقيه عشان كده أصبحنا تايهين ومنقسمين

.ثم تضحك قائلة

عارف الحاجه الوحيده اللى أصبحت بتوحد الشعب المصرى هى كرة القدم

فيعقد مايكل حاجبيه فى دهشة مردداْ

كرة القدم!

فتؤكد أميره قائلة

كرة القدم هى الشئ الوحيد اللى بيوحد الشعب المصرى وممكن تكون هى الشئ الوحيد إللى ممكن فعلاْ تفرحه .

.لو حصل والمنتخب مثلاْ حصل على بطولة كأس أفريقيا ..ياه ممكن الشعب مش ينام من الفرحه مع أن ممكن يكون عنده هموم أصلاْ ما يستحملهاش بشر
....
بس يفرح عشان المنتخب فاز وحصل على اللقب وينام راضى وسعيد وكأن كل مشاكله اتحلت.

فيتسائل مايكل بدهشة

مافيش حد مهتم بالسياسة

فتجيبه أميرة قائلة

الثقافه السياسيه مش ليها وجود فعلى فى مصر ..عادة الناس بتهتم بمشاكلها الخاصة أكثر من إهتمامها بإصلاح الوضع العام

قام مايكل بإشعال سيجاره وسحب منها نفساْ قوياْ ونظر إليها قائلاْ

هنا فى أمريكا عادة بنهتم بتعليم الطلبة فى المدارس المشاركه فى الحياه السياسية وبنشجعهم على الإهتمام والإندماج فيها لكن نسبة كبيره من الأمريكان لا يهتمون بالسياسة فى الواقع

....لكن بعد أحداث 11 سبتمبر وما أعقبها من الحروب والأزمه الأقتصاديه بدأ نسبه كبيره منهم فى المشاركه والإهتمام والرغبة فى التغيير .

وأتمنى أن يكون فى تغيير حقيقى وهو ده الأمل حالياْ فى القيادة الجديده.

فتهز أميره رأسها مؤكده

وهو ده أمل كل الشعوب حالياْ فى أمريكا.

فنظر مايكل إلى الطعام قائلاْ بدعابة

الحديث معك ممتع حقاْ ولكن أخشى أن نتحدث وننسى أن نأكل فالوقت يمر بسرعه فائقه ..وأشار إليها بيده كى تبدأ فى تناول طعامها

فإبتسمت أميرة والتقطت الشوكه والسكينه وبدأت فى تقطيع قطعة السمك الفيليه...

وأثناء تناولهما للطعام لمحت جاكلين وهى تدخل المطعم وهى تصطحب شاب يبدو أنه يصغرها بأكثر من عشرين عاماْ ..

.راقبتها وهى تجلس على إحدى الطاولات وقد بدا عليها من حركاتها الغير متزنه أنها مخمورة ..شعرت بالأسى من أجلها وأصابها الإحباط لأنها لم تنفذ وعدها وعادت مرة أخرى إلى حياتها الضائعة.

وما أن رأتها جاكلين حتى رفعت كأسها لتحييها صائحة بصوت محشرج شاذاْ

هاى أميره

ولكن أميره تجاهلت الرد عليها وأستمرت فى تناول طعامها دون أن تهتم بوجودها.

كانت ليله رائعه سعدت بها أميره كثيراْ تحدثا فى كل شئ عن السياسة والبحث العلمى والفن ....أبهرها ثقافته وعلمه وأستفادت من آراءه ونصائحه لها فى مجال البحث العلمى ووعدها بتقديم المساعده لها فى أى وقت تحتاجه فيه .


قام بتوصيلها الى المنزل وبعد ان شكرته وغادرت سيارته فوجئت بايهاب امامها لم يتحدث اليها بل ظلت ملامح وجهه جامده و نظر اليها نظره أثارت ضيقها وإبتعد عن طريقها دون أن ينطق بكلمة واحده.

شعرت أميره بالضيق من نظرته تلك إليها .... وكأنها نظرة تأنيب وعتاب ولكنها عادت ولامت نفسها لإهتمامها به فهو لا يعنيها فى شئ وأكملت طريقها نحو شقتها وهى تمنى نفسها بالنوم والراحة بعد يوم طويل شاق ومرهق. ...


فى الصباح الباكر استيقظ يحيى من نومه فى موعده اليومى .. والقى بنظره على عبير التى كانت مستغرقة فى نوم عميق همس اليها بصوت هادئ

عبير ..عبير

ولكنها لم ترد عليه واستدارت عنه واكملت نومها

نهض من الفراش وخرج من الغرفة بهدوء واتجه نحو المطبخ. اعد لنفسه كوب كبير من القهوه وجلس فى غرفة المعيشه.

نظر إلى مكتبة الاغانى الخاصه به أراد الاستماع الى احدى اغانى فيروز كما اعتاد ان يفعل كل صباح ولكنه قاوم رغبته و تراجع حتى لاتعيد عليه الذكريات..

فقد قرر ان يمنح حياته مع عبير الفرصة كامله حتى تنجح.

..دخل غرفة المكتب وقام بسحب احدى الكتب من مكتبته وعاد إلى غرفة المعيشه وظل يقرأ فيه اثناء تناوله لكوب القهوة .

.إستغرق فى القراءة لساعات ثم نظر فى ساعة يده ليجدها العاشرة صباحا ..وضع الكتاب جانبا وعاد الى عبير اقترب من الفراش وألقى بنظرة عليها

... ليجدها لازالت مستغرقه فى النوم تردد قليلاْ ولكنه قرر أن يوقظها حتى تجلس معه ويتحدثان معاْ

جلس بجوارها على الفراش..أقترب منها وهمس برفق وهو يضع يده على ذراعها قائلاْ

عبير ..عبير

فقامت عبير بازاحة يده عنها قائلة بتذمر

ايه فى ايه يايحيى عايزه انام

فنظر اليها قائلاْ

انا بقالى اكثر من خمس ساعات قاعد لوحدى ..تعالى نتكلم مع بعض شويه.
ييه نتكلم ايه دلوقتى ..انا عايزه انام ...لما اصحى براحتى من نومى نبقى نتكلم زى ما أنت عايز

رمقها بنظرة عتاب وتنهد قائلاْ فى إستسلام

براحتك ..أنا آسف أنى أزعجتك

ونهض من على الفراش ليغادر الحجرة لكى تنام براحتها كما تريد
فصاحت قائلة

لو سمحت وانت خارج اقفل الباب وراك ومش ترجع تصحينى ثانى... سيبنى اصحى براحتى

رمقها بنظرة طويله ثم أغلق الباب برفق

عاد يحيى ليجلس وحده فى غرفة المعيشه فتح التلفاز ليشاهد باقة من البرامج السخيفة ثم اغلقه والقى بالريموت جانبا

..نظر مرة اخرى الى مكتبة الاغانى ولكنه قاوم رغبته ونهض وعاد الى غرفة النوم وهو يتسحب بهدوء حتى لا يوقظها واخرج من الدولاب الخاص به ملابسه وخرج ليرتديها فى غرفة المعيشه وترك لها ورقة يخبرها بانه ذهب الى الجريده
.
جلس حاتم على مكتبه يراجع المقاله اليوميه الخاصه به فيدخل عليه يحيى ويجلس فى المقعد المواجه له دون ان ينطق بكلمة واحده ..حدق به حاتم لحظات ثم قال

واضح انك مضايق من حاجه ..خير ؟

هز يحيى راسه وأجابه بنبره بائسه

ابداْ..حاسس بملل

بعد اسبوع واحد من الزواج وحاسس بملل ..ده رقم قياسى ..عاده بعد شهر بنحس بملل مش اسبوع

أخرج يحيى زفرة قصيرة وقد بدا عليه اليأس وخيبة الأمل قائلاْ

انا بحاول أعمل كل اللى اقدر عليه عشان حياتى مع عبير تنجح... بس للاسف حاسس انها مش قادره تساعدنى ..ولا قادره تفهمنى .

ثم يخرج تنهيده عميقه ويستطرد قائلاْ

امبارح بليل اتكلمت معاها وقولتلها انا بحب لما اصحى من النوم انك تصحى معايا ونتكلم مع بعض ..نبدأ يومنا ونحضر الفطار ونشرب القهوة مع بعض ..رحبت بالفكره واتحمست ليها

لكن لما صحيت الصبح وحاولت انى اصحيها ثارت وطلبت منى انى اسيبها تنام براحتها ...بصراحه اضايقت.

فيصيح حاتم معاتباْ

يابنى بطل الرومانسيه بتاعتك دى وعيش الواقع ..قال عايزها تصحى معاك الصبح وتقعدوا تتكلموا ...دا انت رايق

فيهز يحيى رأسه قائلاْ

وفيها ايه بس لما احب ان زوجتى تشاركنى كل لحظه بقضيها فى حياتى

فيها انك مغفل ..يعنى انت فاكر انها حاتكلم معاك فى شغلك ولا فى السياسه وأحوال البلد ولا حتى الشعر والادب والاغانى القديمه اللى انت غاويها ...كل كلامها حايكون مجرد صداع وخساره لجيبك

ثم يبدأ فى التحدث بلهجة نسائية وهو يقوم بدور الزوجه

امبارح وانا خارجه يا حبيبى شوفت فستان تحفه فى المحل الفولانى ....بصراحه عجبنى جدا وكنت حاموت عليه ..

ثم يعود إلى نبرة صوته ويستطرد قائلاْ

طبعا لازم انت ترد وتقولها بعد الشر عليكى يا حبيبتى من الموت وتسألها زى البطل الهمام ثمن الفستان كام .

.ومهما كان ثمنه لازم تطلع من جيبك بكل هدوء ثمنه و بالابتسامه العريضه والا يومك مش حايعدى على خير ..

الا بقى تقولك.... ماما بتشتكى انك مش بتزورها ولا بتشترى ليها هدايا ..او زوج صحبتها الفولانيه اشترى خاتم الماظ هديه ليها فى عيد ميلادها

...وطبعا هى مش اقل من صحبتها ولا انت اقل من زوج صحبتها ربنا يسامحه ولازم فى عيد ميلادها تشترى ليها خاتم مش يقل بأى حال من الاحوال عن خاتم صحبتها وياسلام بقى لو كان أغلى وأقيم .

الا بقى هتدوشك بمشاكل هايفه حصلت لصحباتها وجيرانها..مين إتخانقت مع مين ومين أتجوز مين وغيره من هيافات ووجع دماغ .

فلا يروق ليحى كلامه قائلاْ

مافيش فايده فيك يا حاتم..لازم تسخر من كل شئ

فيؤكد له حاتم بثقة

بكره تشوف بنفسك

فيهز يحيى رأسه فى إستسلام ثم ينظر إليه متسائلاْ

المهم قولى اخبارك انت ايه؟

لا جديد بحاول اخلص فى الروايه الجديده بس مش ليه نفس حاسس انى فاقد اى رغبه ليه فى الكتابه ...أحداث الروايه كلها فى دماغى بس ماعنديش أى حماس أنى أكتب

ليه مافيش ملهمه جديده ..صحيح انت لسه ماتعرفشى ليه الملهمه الاخيره
اللى بصراحه تعبت من انى اعدهم سابتك ليه؟

لاه ومش عايز اعرف ..هى اللى خسرانه

بحسدك على قدرتك على النسيان..

فيضع حاتم ساقاْ فوق الأخرى قائلاْ

النسيان احسن نعمه ربنا انعم بيها على الانسان

بس انت كان واضح أنك متعلق بيها

فيهز حاتم رأسه مؤكداْ

فعلاْ لكنها قررت انها تبعد ...اعمل ايه ؟؟..اروح اقف تحت شباكها واغنى شحات الغرام...هى حره

ربنا يهديك يا حاتم

ادعى بس ربنا يهدينى لملهمه جديده عشان ترجع ليه الحماسه للكتابه من ثانى . أنت عارف صحبك ما بيعرفشى يبدع إلا وهو فى حالة حب.


بعد أن عاد عمر من عمله فى المساء خرج مسرعاْ إلى شرفته وهو يمنى نفسه بأن يرى ياسمين كما أعتاد كل يوم

..إنتظرها تخرج إلى شرفتها ودقات قلبه المتصارعه تتسابق مع اللحظات والثوانى ..كم أوحشته ..يفتقدها وكأنه مر على آخر مرة رآها فيها أيام وشهور وليس بضع ساعات قليلة..

حتى لمحها خارجة من البيت وهى تصطحب فى يدها أخيها الصغير هيثم.

شعر بقلبه يقفز من بين ضلوعه ليلحق بها .....لم يشعر بنفسه إلا وهو يركض مسرعاْ كى يلحق بها فلن يحتمل ألا يراها ويتحدث معها الليله.

اسرع من خطواته ليلحق بها حتى تدخل الحديقه فيسرع ويدخل ورائها

...تركت هيثم ليلعب ويلهو و جلست على احدى المقاعد تراقبه فى هدوء.

أقترب منها عمر وتصنع المفاجأه لرؤيتها قائلاْ

ياسمين مش معقول صدفه جميله

نظرت اليه ياسمين متسائلة بدهشة

عمر!! أنت بتعمل أيه هنا فى حديقة الاطفال؟

تلفت عمر حوله ليكتشف أنه فى حديقة خاصة بالأطفال.... فأرتبك قليلاْ وأخذ يفكر فى سبب مقنع

ولكنه جلس بجوارها وقد بدا كالطفل الصغير الذى يجلس منكس الرأس بجوار والدته يشعر بالذنب لأنه تسبب فى كسر إحدى الأنتيكات القيمة ويخشى غضبها

...وبدون أن ينظر إليها قال لها بصوت غلب عليه الحرج وكأنه مذنب يعترف بذنبه فى خجل طامعاْ فى الغفران

الحقيقه انا مشيت وراكى ومش صدفه ولا حاجه

ابتسمت ياسمين وهى ترمقه بنظراتها ثم مالت برأسها نحوه قليلاْ قائلة

عارفه لانى لمحتك وانت ماشى ورايا

فهنا رفع رأسه ونظر فى عينيها بعينيه المفعمة بنظرات التمنى والرجاء ...بدا وكأنه يقاوم رغبة تلح عليه بإصرار وهو يخشى الإستسلام إليها ثم صمت قليلاْ

وغاب بناظريه عنها وهو يحدق فى الأطفال وهم يلعبون بكل حيوية ونشاط وكأنه يبث فى نفسه الشجاعة ثم أخذ نفساْ عميقاْ وعاد لينظر إليها قائلاْ

ياسمين انا عايز أعترف ليكى بحاجه

فسألته ببرائة مصطنعه

عايز تعترف بأيه؟

نظر فى عينيها وكأنه يستمد الشجاعة من نظراتها التى كانت ترسل له إشارات تشجعه على الكلام وبصوت دافئ نابع من القلب يعترف لها قائلاْ

أنا من أول مره شوفتك فيها حسيت بأحاسيس غريبه أول مره احسها فى حياتى ...من أول يوم اتعرفت عليكى فيه وانا بقيت عايز اشوفك كل يوم .

..نفسى اتكلم معاكى طول الوقت ...كل ساعه وكل ثانيه ...لو مر يوم من غير مااشوفك بحس ان فى حاجه كبيره جدا نقصانى .

.وبكون مضايق ومش بقدر انام ..حتى لما بكون فى الشغل بفكر فيكى معظم الوقت ...
.وباتمنى ان الوقت يمر بسرعه عشان ارجع البيت واشوفك ..

ولما بشوفك بحس بسعاده وراحه كأنى ملكت الدنيا بأديه ومش بتمنى اكثر من انى أبص فى عنيكى واشوف ابتسامتك الرقيقه الصافيه

....انا عارف ان ممكن كلامى ده يضايقك ..وممكن يحرمنى من أجمل لحظات بعيشها فى حياتى

بس صدقينى حاولت كثير انى اقاوم بس ماقدرتش ..اعجابى بيكى والرابط الخفى إللى كان بيشدنى ليكى.... كان اكبر من محاولاتى ...

تأملته ياسمين للحظات وهى تتسائل وقد بدا على ملامحها التأثر بكلامه

ليه كنت بتحاول انك تقاوم؟

فيتنهد عمر تنهيده عميقه نابعه من قلبه ويجيبها بصوت تملك نبراته الخوف

لانى خوفت من انك تضايقى او افقدك لاى سبب من الاسباب

تصمت ياسمين وهى تنظر فى الأرض ..

.تأملها عمر بنظرات قلقة وصوت متردد
يسألها

ياترى من حقى أنى أطمع فى انى اسمع ردك على كلامى ولا تفضلى السكوت وانا حافهم لوحدى وصدقينى انا آسف لو كنت سببت ليكى اى ضيق او إحراج ..بس مشاعرى كانت اقوى منى .

فترفع ياسمين رأسها وتنظر إليه قائلة

اعتقد انهم بيقولوا ان السكوت علامة الرضا ..وانا بفضل السكوت

فيحدق بها عمر وهو يحاول أن يستوعب كلامها متسائلاْ

يعنى افهم انك مضايقه من مشاعرى ناحيتك

فتهز رأسها فى نفى

يعنى انت مرحبه بيها

فتهز راسها فى ايجاب

يعنى

فتقاطعه ياسمين وتنهض قائلة

يعنى انا كمان زيك بالضبط وتتركه وتهرول فى خجل نحو اخيها

فلا يصدق عمر نفسه ويبدو عليه التأثر وينهض وراءها ويقترب منها قائلاْ

انا....ولكن ياسمين تقاطعه وهى تنظر اليه قائلة

مش محتاجه اسمع منك ثانى اى كلام لانى سمعت بقلبى كل حاجه عايز تقولها ...

ويكفى انى اقولك انك ممكن تقابل بابا فى اى وقت تحدده

وتنده على هيثم حتى يعودا الى البيت وتلقى بنظره أخيره على عمر والإبتسامة الرقيقة العذبه تنر وجهها وتنسحب بهدوء من الحديقه.


كانت رجاء فى طريقها الى البيت بعد أن أنهت ساعات عملها ..وأثناء سيرها فى الطريق تمر على محل خاص بفساتين الزفاف والسهرة التى كانت دوماْ تمر عليه فى طريقها عند عودتها من العمل
وتقف أمام فساتين الزفاف تتسائل متى سترتدى فستانها.

تقف امام فاترينه المحل تنظر إلى ثوب الزفاف الابيض كان بداخلها مشاعر مضطربه ..لا تعرف لما لا تشعر بالسعاده مع انها طالما حلمت باليوم الذى تدخل فيه المحل كى تختار فستان زفافها الخاص بها

.....كانت الفرحه مخنوقة بداخلها بل ميته .

دخلت المحل وقفت أمام إحدى الفساتين وسألت الفتاة التى تعمل بالمحل عن ثمنه..فأجابتها الفتاة قائلة

للأسف يا آنسه الفستان ده مقاسه صغير عليكى

فتسألها رجاء

مافيش مقاسات أكبر منه؟

بصراحه الموديل ده مش حايكون مناسب ليكى لأنك مليانه من الجناب والوسط

وشكل الفستان العام عليكى مش حايكون مناسب

أستقبلت رجاء كلامها كالصفعة على وجهها وشعرت بالضيق

ثم تشير الفتاة إلى موديل آخر وتحدثها قائلة

أما الموديل ده حايكون مناسب لجسمك أكثر

فتنظر إليه رجاء قائلة

بس الموديل ده مش عاجبنى

فتهز الفتاة رأسها قائلة

بس هو اللى حايكون مناسب لجسمك اكثر

ابتسمت رجاء فى حسرة وهى تحدث نفسها فى صمت

يالسخرية القدر حتى فستان زفافى ليس لى الحق فى أختياره كما أريد.

خرجت من المحل وهى تشعر بحزن عميق بداخلها تشعر بعجزها على الاختيار ...فهى بداخلها لا تشعر برغبتها فى قبول الزواج من فؤاد

....تخشى الحياه معه ...تخشى أن تجد نفسها صورة أخرى من حياة والدتها البارده ..ولكنها تشعر بعجزها على الرفض ..

تخشى أن يكون ليس من حقها أن تختار ..فهى تحلم بحياة أخرى غير التى يعرضها عليها فؤاد ..

.تحلم بزوج يحبها وتحبه يكون بينهما رباط مقدس ورغبة مشتركه فى التعاون معاْ لنجاح حياتهما ..تحلم بقلب يضم قلبها المتعطش للحب

....لزوج يسمعها كلمات غزل ..تلك الكلمات التى لم تسمعها من قبل ..وطالما حلمت أن تسمعها ...هل تحلم بالمستحيل ؟ أم أنها ليس لديها الحق فى الحلم

وبدون أن تشعر وجدت قدميها تسير بها نحو مكتب حاتم منصور بالجريدة التى يعمل بها ..

وقفت أمام المبنى وهى تنظر إلى نافذة مكتبه بنظرات حسره وألم ...
.
حتى فوجئت به أمامها حدقت به وهى لاتصدق نفسها ..أنها امامه وهو امامها تنظر اليه وينظر اليها ..ودت أن تستسلم اليه وتلقى بجسدها الحزين بين ذراعيه وتبكى وتبكى عسى أن يريحها البكاء من تلك الحيرة التى تغرق فيها.

ولكنها فوجئت به يتجاهلها تماما ولا كأنه يعرفها ...وأكمل طريقه وركب سيارته وانطلق دون حتى أن يلقى عليها نظرة واحده

أصابتها الدهشة المشوبة بخيبة الامل وتسائلت فى حسره وهى لاتصدق

هل حقا نساها حاتم منصور بتلك السرعة ..أم أنها لم تقابله فى الواقع وكل ما حدث كان مجرد تخيلات وآحلام يقظه عاشتها فى خيالها..

لاه لاه يمكن ماهذا الهراء فأنا لست مجنونه

ولكنه لم يتعرف عليها... لم يبدو عليه أنه يعرفها ...هل حقا نساها أم تجاهلها ؟؟؟

عادت إلى المنزل وهى يتملكها شعور بالاحباط والانهيار التام ..سمعت صوت فؤاد يتحدث مع والدها فى غرفة الضيوف ..شعرت بالضيق عندما سمعت صوته ودخلت غرفتها والقت بجسدها على فراشها وهى تتسائل

كيف يمكن ان تتزوج من شخص لا ترغب حتى فى رؤيته ؟

دخلت عليها فريده قائلة

رجاء يا حبيبتى غيرى هدومك والبسى فستان شيك وتعالى عشان تقابلى خطيبك

فنظرت اليها رجاء باستسلام قائلة

حاضر يا ماما حاعمل كل اللى انتم عايزينه

فلم يروق لفريده لهجتها

فاقتربت منها وهى ترمقها بنظرات قلق متسائلة

مالك يا حبيبتى مش شايفه ليه الفرحه فى عيونك ولهجتك كلها يأس مع أنك عروسه والمفروض أنك تكونى سعيده.

فنظرت اليها رجاء بعينيها الباكية متسائلة

وهل انا من حقى انى افرح او احزن يا ماما؟

فزاد قلق فريده واقتربت منها اكثر وجلست بجوارها على الفراش وهى ترمقها بنظراتها الحانية متسائلة

ليه بتقولى كده ؟

فهنا إنهارت رجاء وصاحت بصوت باكى

لانى مش سعيده ولا راضيه على اللى بيحصلى... بس مش فى اديه حاجه غير انى اسكت واستسلم من غير ما حد يحس بالنار والالم اللى قايدين فيه.

ياه نار والم ليه يارجاء فى ايه ؟

فى انى كان نفسى اكون بنت عاديه زى كل البنات ..عشان يكون من حقى الاختيار ..أنا عارفه انى انا مش جميله بالعكس انا اقل من العاديه بس هو الجمال هو المقياس الوحيد للبنت وهو اللى بيديها الثقه فى نفسها ؟

تسائلت بحسره وصوت يعبر عن الألم الذى تعانى منه
.
لاه يا حبيبتى الجمال وحده مش المقياس والدليل ان فى بنات وستات كثير نجحوا فى حياتهم وكسبوا حب واحترام كل اللى حوليهم وهما بيفتقروا للجمال بس كان عندهم ثقه فى نفسهم .

فنظرت إليها رجاء بصوت متمنى قائلة

كان نفسى يكون عندى ثقه فى نفسى

ليه ياحبيبتى انت انسانه ناجحه فى شغلك وكلنا بنحبك

بس حاسه انى عاجزه انى احقق اهم حلم فى حياتى وهو انى اتزوج من شاب يحبنى ..يحب رجاء الانسانه يحس بيها وبمشاعرها ..يعاملها كأنها أنثى ..نفسى احس انى أنثى فهمانى يا ماما .

فرمقتها فريده بنظرات شفقة وصمتت قليلاْ ثم سألتها بصوت الأم القلق

رجاء يا حبيبتى انت مش مقتنعه بفؤاد؟

فأومأت برأسها فى حسرة متسائلة بنبرة حملت الشك

يعنى يهمك انك تعرفى رأيى يا ماما؟

طبعا يا حبيبتى يهمنى رأيك.

فأخدت نفساْ عميقاْ وهزت رأسها فى حيرة وردت عليها قائلة

انا نفسى مش عارفه ..انا كل اللى انا عارفاه وحاسه بيه انى مش سعيده ولا فرحانه ..بالعكس حاسه بغضب من كل شئ بيحصل حوليه وحاسه بعجزى عن انى ادافع عن نفسى وعن أحلامى.

يا حبيبتى لو مش عاجبك يبقى ارفضى انت من حقك الرفض او القبول ..دى حياتك وده قرارك مع انى شيفاه زوج مناسب ..رجل محترم ومستقبله كويس ووضعه المادى والاجتماعى جيد يعنى عريس مناسب

فتصيح رجاء بإنفعال

بس مش فيه اهم حاجه انا بدور عليها وهو انه يعاملنى كأنثى وزوجه بيحبها ومقتنع بيها مش مجرد زوجه تخدمه وتلبى رغباته .

فهنا صمتت فريده وكأن رجاء داست بكل قوتها على جرحها وكأنها تتحدث عن حياتها مع رأفت ..

سادت فترة من الصمت والحزن يخيم على وجوههما ..فريده التى تحزن على واقعها وهذا الكابوس الذى تحياه كل يوم وكل ساعه مع رأفت

..ورجاء التى تخشى أن تكون حياتها مثل والدتها وتعيش هى الأخرى تلك الآلام وهذا الواقع المرير الذى يرفضه عقلها وطبيعتها الحالمه.

فنظرت فريده إليها وبحماسه تشجعها قائلة

رجاء يا حبيبتى دى حياتك ولو مش مقتنعه خلاص ارفضى ده من حقك

فهزت رأسها بحسرة

يعنى بابا حايسمح ليه انى ارفض

ومايقدرشى انه يغصب عليكى

خلينا واقعيين ياماما يعنى انا لو رفضته ممكن حد ثانى يتقدم ليه

رجاء يا حبيبتى انا حاقولك الكلام ده لاول مره بس لازم اقوله لان هو ده وقته ممكن الكلام يضايقك بس كمان ممكن انه يساعدك على اتخاذ القرار المناسب

انا لما اتجوزت من والد ايهاب وعمر كان اختيارى وكان اجمل اختيار ..عيشت معاه اجمل ايام عمرى بس للاسف كانت ايام قصيره ومات فجأه فى حادثة عربيه

وسابنى لوحدى ارمله صغيره معاها ولدين ساعتها ما كنشى فى اى حل قدامى غير انى اتزوج من ثانى ....لانى كنت فاكره ان لازم يكون فى حياتى رجل يحمينى ويساعدنى على تربية اولادى

ودفعت ثمن تفكيرى ده لما اتزوجت من والدك .

الزواج مش هو الحمايه الوحيده للبنت ولا هو أقصى أمل ليها فى الحياة ..بالعكس ممكن يكون الزواج هو نهاية لحياتها لو كان الاختيار خاطئ ومش مناسب ليها

..أنا عارفه انك مريتى بتجارب قاسيه لما كان العرسان اللى بيتقدموا بيرفضوكى وكنت بتتعذبى نفسيا وبتنجرحى بس بيكون جرح مؤقت بياخد وقته وبيلم وبتنسيه

اما لو اتزوجتى من شخص انت من جواكى رفضاه وعندك شك انك حاتكونى سعيده معاه..جرحك ساعتها حايعيش معاكى للابد

...رجاء أنا عايزاكى يكون عندك ثقه فى نفسك اكثر من كده وتدافعى عن حقك فى الحياه ..مش عايزاكى تكونى صورة ثانيه منى .إلا الإستسلام يارجاء بيكون نهايته صعبه وقاسيه قوى ..صدقينى أنا لأنى عايشه فيه

ثم تمسح عن رجاء دموعها بيديها وتلمس على شعرها برفق وتبتسم قائلة

غيرى هدومك واٌقعدى ثانى مع فؤاد ولو حسيتى انك رفضاه يبقى ارفضيه ومايهمكيش اى حد المهم انك تكونى مقتنعه بقرارك.

فنظرت إليها رجاء بنظرات حائرة وهى تتمنى أن تمتلك الشجاعه وتستطيع أن تصل إلى القرار الذى لاتندم عليه

ودخلت رجاء حجرة الصالون وجلست على الاريكه ووجهها جامدا لاينم على أى تعبير

فصاح رأفت قائلا

نسيبكم مع بعض عشان تتكلموا براحتكم ثم أشار لفريده بيده كى تتركهما معاْ

فنظرت فريده إلى رجاء وهى تشجعها وتبتسم إبتسامة حانيه وتتركها وحدها معه.

نظر فؤاد إلى رجاء متسائلاْ

اتمنى انك تكونى فكرتى ووصلتى لقرار يا اخت رجاء.... انا زى ما أنت عارفه مستعجل واتمنى انى انتهى من موضوع الارتباط قبل سفرى

فسألته رجاء

يعنى لو حصل ورفضت الارتباط بيك حاتعمل ايه؟

فبكل ثقة وبلا تردد يجيبها قائلاْ

ولا حاجه فى اكثر من عروسه مرشحه ليه وانا بالفعل كنت مرتب انا حابدأ بمين ثم مين

ياه انت عامل حسابك على كل حاجه

يا اخت رجاء الوقت كالسيف ان لم تقطعه قطعك وان وقتى ضيق

فكرت رجاء لآخر مره كانت تحس نفسها على الشجاعه والنطق بقرارها ولكنها صمتت قليلا

وأخذت قراراتها تناطح بعضها البعض برأسها وكأنها داخل حلبة للمصارعة

ثم نظرت اليه قائلة

وانا موافقة .


بينما كانت أميره فى طريقها فى الصباح الباكر إلى المعمل كى تتأكد من سلامة نتائج التجربه الخاصة بها لمحت شيئاْ جذب إنتباهها ...فأقتربت بترقب حتى فوجئت....؟

ليست هناك تعليقات: