الجمعة، 28 أغسطس 2009

الحلقة الاولى من قصة المنزل الزجاجى


المنزل الزجاجى

الحلقة الاولى

كلما أنظر إلى وجه والدتى الشاحب وجسدها الهذيل وعينيها ذات النظرة المنكسرة الحزينة والتى لا تفارقها حتى وهى تضحك... أشعر بالسخط على هذا الرجل الذى تزوجت منه بعد وفاة أبى .

فهو من قتل بداخلها إحساسها بالحياة فتجمدت مشاعرها وصارت جسداْ يحيا بلا روح. .... بل صارت كالتمثال البارد تتسرب من بين يديها أيام عمرها دون أن تشعر بها أو تتذوق أى طعم للسعادة فيها
.
كانت والدتى فى شبابها إمرأة جميلة لم يختلف أثنين على جمالها فقد ورثت عن والدتها البشرة الخمرية النقية وعينيها الخضراوتان كخضرة أوراق الشجر بعد هطول المطر وشعرها الأسود الناعم الطويل كلون سماء ليلة حالكة السواد .

وورثت عن أبيها طيبته وحسن خلقه وإبتسامته المشرقة والمقبلة على الحياة . تهافت عليها الخطاب من مختلف المناطق القريبة والبعيدة لمنزل أسرتها بمنطقة المنيل بالقاهرة ولكنها أختارت أبى الذى كان أول شاب يرتاح له قلبها الطيب وترضى به زوجاْ لها
.
وتم الزفاف سريعاْ وهى لم تكمل عامها التاسع عشر بعد وأنجبت منه أخى الأكبر( إيهاب) وبعدها بعام جئت أنا إلى الدنيا(عمر)

ولكن للأسف توفى أبى فجأة بعد مولدى بأيام قليلة فى حادث سيارة أليم ليترك أمى أرملة جميلة فى ريعان شبابها تحمل على كتفها طفلين صغيرين لا حول لهما ولا قوة .

ورثت عنه ثروة لا بأس بها بخلاف ماورثته عن أبيها من أملاك جعلت منها مطمع للكثير من الرجال .فزاد عدد خطابها ولكنها لم توافق على الأرتباط إلا بهذا الرجل ( رأفت) .

كان صديقاْ حميماْ لأبى... شاب من أسرة فقيرة ريفية جاء إلى القاهرة ليكمل تعليمه الجامعى.... أستطاع فى سن صغيرة أن ينهى دراسته الجامعية بتفوق و تم تعينه معيدا بكلية العلوم.

كان رأفت الشخص الوحيد الذى يسمح له أبى بدخول منزلنا لأنه كان يعلم بأنه سيصون حرمة بيته فهو لم يكن يهتم بشئ فى الدنيا إلا بالعلم فقط وليس له فى النساء على عكس بقية أصدقائه
.
بعد وفاة أبى ظل يتردد رأفت على منزلنا ليلبى طلبات أمى ويرعى شئونها وشيئاْ فشيئاْ أعتادت على وجوده بحياتها ووافقت على الأرتباط به عندما عرض عليها الأمر.......ليقينها بأنها فى حاجه لوجود رجل بجانبها يعينها على تربية ابنائها الذكور ويحميها من طمع الرجال فيها.

ومن هنا تبدلت حياة أمى وحياتنا معها وأولادها منه من بعد. فقد أستطاع أن يقنع والدتى بأن تكتب ثروتها وكل ماتملك باسمه حتى يشعر برجولته داخل المنزل وأنه ليس ( زوج الست) كما يقال...... فهو رجل ريفى لن يقبل ذلك على كرامته وسيشعر دوماْ بأنه منكسر أمامها .

ولم تعترض والدتى طيبة القلب على ذلك ظناْ منها بأنه لا فرق بينها وبينه طالما صار زوجها وهو من سيرعى شئونها .

و بعد أن تحقق له ما أراد تبدلت شخصيته تماماْ لتظهر الجوانب الخفية التى لم تراها والدتى المسكينه فيه من قبل ... .. من قسوة القلب والبخل والأنانية والتسلط وعدم السماع لأى رأي مخالف لرأيه وكأنه الحاكم بأمره الذى يعلم كل شئ ....

فلم يكن يهتم بأحد فى الدنيا غير نفسه فقط . ..لم يهتم بمشاعر والدتى الرقيقة وبخل عليها بحنانه ومشاعره إن كنت أشك أنه يملك مشاعر وأحاسيس مثل بقية البشر..!!!

كان يحبس نفسه بالساعات داخل جدران غرفة مكتبه ليكتب أبحاثه التى لا جدوى أو فائدة منها. بخلاف مرضه بداء العظمة... . والتى جعلته يرى نفسه بمنظور آخر مختلف عن بقية البشر .

وكانت من نتيجته أنه أهمل الأهتمام بشئون المنزل أو رعاية الأبناء. فهو يظن واهماْ أنه عالم كبير ويستحق مكانة كبيرة بين العلماء بل أنه يستحق الحصول على جائزة نوبل أو على الأقل جوائز الدولة التشجيعية ولكن كالعادة لا أحد يقدر العلماء كما دوماْ كان يقول
.....
ومرت الأعوام ووالدتى تذبل يوم عن الآخر وتكتم فى قلبها مستسلمة لهذا البرود العاطفى فهى مثلها مثل أى أنثى متعطشة لكلمة غزل .. ..كلمة تشعرها بأنها أنثى جميلة تملك قلب وعقل زوجها....ولكن لا فائدة فهباءاْ كانت تتساقط أمام عينيها أحلامها وأمانيها وتتحطم متناثرة فوق صخور الواقع الأليم ...

بجانب تحملها المسئولية وحدها فصارت مشاعرها كالصحراء الجرداء لا حس فيها ولا عاطفة.

وعندما كبر أخى إيهاب وأنهى تعليمة الثانوى بدأ يثور علي رأفت ويطالبه بحقه فى ثروة أبيه ...ولكنه قابل طلبه بثورة وقسوة حتى أنهال عليه بالضرب والسباب وأتهمه بأنه ناكر للجميل جاحد فهو من رباه وصرف عليه حتى أنهى تعليمه الثانوى....

فلم يحتمل إيهاب الإهانة وهاجر إلى أمريكا بعد أن قام رأفت بطرده من المنزل ولا نعلم عنه شيئاْ حتى الآن .

لم تحتمل والدتى صدمة رحيل أبنها الأكبر أول فرحتها ومرضت بعدها ووهن قلبها من الحزن عليه وعجزها عن فعل أى شئ له.

أما أنا فلم أكن أملك الجرأة مثل إيهاب للثورة والمطالبة بحقوقى بل أخترت طريق الصمت والإستسلام . فقد كنت أجبن من أن أثور كما أننى كنت أخشى غضبه حتى لا ألقى نفس مصير إيهاب ألا وهو الطرد.


لا أستطيع أن أنكر أننى كثيراْ أشعر بالغيرة من إيهاب لأنه كان قادراْ على الثورة والمطالبة بحقوقه ولم يخشى رأفت مثلى ..ولكن هذه هى طبيعتى ولا أستطيع أن أغيرها

فقدرى أن أنظر حولى وأتألم فى صمت دون أن أملك القدرة على الصراخ بصوت عالى ........ فصوت صراخى دوماْ مكتوم بداخلى لايسمع صداه أحد غيرى
.
أرى تلك الأوضاع الخاطئة التى يسير عليها منزلنا ولا أقدر على تغيرها ..رب أسرة لايعلم عن أسرته أى شئ لايهتم بها ولا بشئونها لايعرف فى الدنيا غير نفسه وراحته فقط ..لايعرف معنى أن تكون أب ومسئول... فقد أختار هو تلك المسئولية ولكنه لم يكن جديراْ بها.

وأم حزينة تعيش مستسلمة لواقعها.. صارت مجرد ذكريات وتاريخ يتحاكى عنه المقربين إليها ..أما الحاضر فهو لا يزيد عن صورة باهته لبقايا أمرأة تعانى كل أنواع المعاناة....

الأبن الأكبر لها (إيهاب ) هاجر إلى أمريكا هرباْ من تلك الأوضاع التى يرفضها وألقى بنفسه بين أحضان وطن آخروقطع أى صلة له بنا ......

وأنا (عمر) الشاب المتفرج على كل مايحدث حولى ولا أملك سوى أن أتألم فى صمت .

و ( رجاء ) الفتاة المسكينة التى قاربت على الثلاثين من عمرها ولم تجد فارس أحلامها بعد... حظها التعس أنها ورثت عن أبيها ملامح وجهه التى لا تملك أى ملامح جمالية وورثت عن أمها طيبة قلبها ومشاعرها الرقيقة ..فنفر الخطاب من قبح ملامحها ولم يدرك أحد عمق وجمال مشاعرها.


أما الأبن الأصغر ( هانى ) فشخصيته هى النتاج الطبيعى لأسرة مثل أسرتنا .. ومثله مثل الكثير من شباب جيله ..فهو شاب فاقد الهويه لا يعرف ماذا يريد ..يشعر بالسخط على أحوالنا ولكنه لا يعبأ بتغيرها .

.يتطلع إلى الثراء دون تفكير فى التعب أو بذل المجهود حتى يحقق مايريد... لا يصاحب إلا أبناء الأثرياء وهو الشخص الوحيد القادر على أن يجعل( رأفت) يلبى طلباته دون مناقشة ..

لأنه يعرف كيف ينافقه حتى يحصل على مايريد من أموال يصرفها على ملابسه الأنيقة والرحلات والسهر مع أصدقائه حتى لايشعر بأنه أقل منهم فى شئ .

والعضو الأخير بأسرتنا هى والدة رأفت تلك المرأة العجوز التى قارب عمرها على الثمانين عام ..تنتظر كل يوم الموت بشغف وكأنها ملت من الدنيا والحياة فيها..

.:.ففى كل صباح تستيقظ من نومها وتفتح النافذه وترفع رأسها إلى السماء صائحة:


يا ملك الموت أنا هنا ..ياترى هتيجى النهاردة علشان تاخدنى ولا هتخلف ميعادك ذى

كل يوم.. ..أنا مستنياك ماتغيبشى عنى ..الدنيا بقت وحشه قوى ماتستاهلشى أنى أعيش فيها أكثر من كده
.
وكانت كلما ترى جنازه تمر من أمام المنزل تصيح بصوت عالى قائلة:

هحصلك ياميت ماهو كلنا لها فى النهاية ..مهما طال العمر فى الآخر كلنا سايبينها

كانت أمرأه طيبة القلب على سجيتها لا تعرف من الدنيا الكثير ولكنها أيضا سليطة اللسان وكانت شديدة فى شبابها ..

فبعد زواج رأفت من والدتى فرض على أمى أن تقبل بإقامة والدته معنا فى المنزل ولم تستطع والدتى الأعتراض

ولكن والدته كانت دوماْ تفتعل الخلافات مع والدتى لأختلاف الطباع فهى إ مرأة ريفيه تعتاد على عادات الريف ومنها أن تلتزم زوجة الابن برعاية وخدمة والدته وأن تطيعها فى كل أمر ومن هنا بدأ الصراع بينهما .

ولكن والدتى كعادتها أستسلمت إليها فى النهاية فلم تكن تجد أى نتيجة من شكواها فرأفت كلما تكلمت معه فيما تفعله والدته معها كان ينهرها ولا يسمح لها بالأستمرار فى الحديث قائلاْ

دى أمى مهما عملت فيكى لازم غصب عنك تستحمليها

فأستسلمت أمى لواقعها وقررت أن تتعايش معها وصبرت على تسلطها و طلباتها الغريبة ..فلم أنسى عندما كنت أنا فى العاشرة من عمرى وكانت مدرستنا تقيم حفلة لتكريم أوائل المدرسة وكنت أنا من ضمنهم وكانت والدتى أنتهت من أرتداء ملابسها الأنيقة حتى تحضر الحفل معى وقبل أن نغادر الشقة

..فرضت عليها والدة رأفت أن تنظف لها البابور قبل أن تخرج لأنه مكتوم وهى تريد أن تصنع عليه القهوة فهى لا تقتنع بالبوتاجاز ولا تستخدم إلا البابور كما أعتادت فى الريف ......

لم أنسى نظرة والدتى إليها فى تلك اللحظة ولكنها أستسلمت ووضعت ملاية المطبخ على ملابسها الأنيقة حتى تنظف لها البابور كما تريد حتى تتقى شر ما ستسمعه منها من سباب إذا رفضت.

وهذا هو منزلنا...

فعندما تسكن فى منزل جداره زجاجية تلمع من الخارج مثل منزلنا ستشعر بما أقول...فمنزلنا منزل زجاجى يأوى أشخاص زجاجية هشة سهلة الكسر محاطه ببريق لامع قد يحسدنا الكثير ين عليه ولكنه فى حقيقته بريق زائف زجاجى لا قيمة له

ولكنه فى النهاية منزل مثله مثل أى منزل.... فما هو إلا بيت من بين البيوت....قد تجد مثله الكثير والكثير فى كل مجتمع وفى كل زمن.


بعد أن أنهت رجاء ساعات عملها فى البنك حملت حقيبة يدها وسلكت طريقها
اليومى للعودة إلى المنزل وأثناء سيرها لمحت محل لبيع فساتين الزفاف والسهرة ..

فتوقفت أمامه تتأمل فستان الزفاف الأبيض المعروض فى الفاترينة الأمامية للمحل وعينيها يسكنها نظرات أمل وحسرة ..وهى تتسائل هل سيأتى عليها اليوم الذى سترتدى فيه هذا الفستان وتزف إلى فارس أحلامها الذى طال أنتظارها له حتى تسلل اليأس إلى قلبها وأصبحت تخشى ألا يأتى أبداْ ؟؟

حتى لمحت فتاة داخل المحل تقيس إحدى فساتين الزفاف وحولها يلتف مجموعة من أصدقائها يشاركونها الرأى والمشورة

..فتأملتها رجاء فى صمت وهى ترى جسدها المتناسق ووجها الجميل ثم نظرت إلى صورتها المنعكسه على زجاج باترينة المحل لترى جسدها الممتلئ الغير متناسق وملامح وجهها التى تفتقر إلى أى ملامح جمالية...

فشعرت بإحباط وخيبة أمل وكأن صورتها تصرخ فى وجهها ......أنظرى إلى الفرق بينك وبينها

ولكنها لم تختار ملامحها ومن منا أختار ملامح وجهه وشكله ؟؟؟ لما يحاسبونها على شئ ليس بيدها ..فهى بالفعل تفتقر إلى جمال الوجه ولكنها تمتلك قلب يحب ويعشق وينبض ..لو وزع مابه من حنان على العالم أجمع لكفاه وفاض.....

فكل ماتحلم به هو أن تلتقى بهذا الرجل الذى سوف يشاركها حياتها لترويه حباْ وحناناْ ..تسعده وتجعل منه سيد على حياتها ..وفارس لقلبها ..هل تحلم بالمستحيل ؟؟؟

لم يحاسبونها على مالم يكن لها يد فيه ..فهى لازالت تتذكر كلمات إحدى خطابها عندما رآها عندهم فى المنزل وهمس لوالدته فى سخرية عندما رآها قائلاْ

هى دى خلقه الواحد يتصبح بيها على الصبح ..أنا عايز أجوز واحده جميله وبعدين دى تخينه قوى من دلوقتى أومال بعد الجواز هتبقى عامله أزاى ..أيه هتبقى خرتيت !

كم جرحتها كلماته القاسية وكم بكت بعدها ليالى وشهور وهى تشعر بالمهانة وما يزيد من عمق جرحها أنهم يعايرونها بشئ ليس لها يد فيه ...فهى أنثى مثل كل النساء تملك قلب وحس وشعور ولكن لا أحد يهتم ..لا أحد يهتم

فأخذت نفساْ عميقاْ وألقت بنظره أخيرة على الثوب الأبيض ...نظرة إنكسار وأمل محكوم عليه بالموت بيد البشر وأكملت طريقها فى سكون.


بعد أن أنتهى الكاتب الروائى( حاتم منصور ) من كتابة آخر سطر فى روايته الجديدة بمكتبه بالجريدة التى يعمل بها . قام بإستدعاء الحاجب وأعطاه الرواية وطلب منه أن يسلمها للمطبعة.

ثم عاد بظهره للوراء ليسند على ظهر المقعد الذى يجلس عليه و أخذ نفساْ عميقاْ وشعر بالأرتياح لأنتهاء الرواية ثم ألقى بنظرة طويلة على صورة الفتاة التى كان يضعها فى البرواز الزجاجى أمامه على سطح مكتبه ثم قام بسحبها منه وألقى عليها نظرة وداع أخيرة وقام بتمزيقها وألقى بها فى سلة المهملات.

ثم رفع سماعة الهاتف وتحدث مع سكرتيرته قائلاْ

لو آنسه إبتهال أتصلت فى أى وقت وطلبت أنها تكلمنى ..أبقى قوليلها أنى سافرت ..ومش عايزك توصليلى أى مكالمات منها أنت فاهمه....

دخل عليه المكتب صديقه الصحفى (يحيى ) وألقى عليه التحية بعد أن جلس فى المقعد المواجه إليه قائلاْ

لسه شايف عم عبده واخد أوراق الرواية الجديدة ونازل بيها المطبعه ..أيه نقول مبروك تمت بحمد الله

فيطلق حاتم تنهيدة راحة ويجيبه قائلاْ بنبرة سعيدة

أخيراْ قدرت أخلصها ..الحقيقه كانت رواية صعبه وكنت محتار جدا فى نهايتها ..وغيرتها أكثر من مرة ..بس أخيراْ خلصت.

فيبتسم يحيى ويهنئه قائلاْ


مبروك أعقبال الرواية الجديدة ..ثم يلقى بنظرة سريعة على البرواز ليجده خالى

فيرمق حاتم بنظرة ذات معنى قائلاْ

خلاص دورها أنتهى ورقدت صورتها بسلام بجوار صور الراحلات السابقات فى قبر المهملات.

ثم يستطرد فى دهشة قائلاْ

أنا بجد مش عارف أنت قلبك بيسيع كل الستات دول أزاى! ..والمشكله أصلاْ أنك مجوز ملكة جمال الكل بيحسدك عليها وبيكلم عن جمالها وأناقتها وأسمحلى معظم البنات أو الستات إللى بتعرفهم أقل منها بكثير فى جمالها وأناقتها.

فيومأ حاتم برأسه ويجيبه بثقة قائلاْ بلا تردد

التنوع شئ مهم جدا لإبداع الكاتب ..كل واحده من دول شخصيتها بتوحى ليه بفكرة جديده أكتب عنها وبرتبط بيها لحد ما أقدر أنتهى من الرواية وصدقنى أول ما أكتب كلمة النهاية بنسى على طول علاقتى بيها ولا كأنى كنت أعرفها
.
ثم يستطرد قائلاْ بثقة وكأنه مكتشف الذرة

أما بخصوص الجمال فمن تجاربى كل ماتكون المرأة جميله كل مايكون عطائها أقل ..عادة المرأه الجميله بتكون معتادة على محاولات الرجال لإرضائها وده بيديها نوع من الثقه والدلال ..

أما بقى المرأه إللى بتقل درجة جمالها بتحاول دايما تعوض النقص فى جمالها بحنيتها وأهتمامها ودلعها للرجل إللى بتحبه..على فكرة ده مش رأيى لوحدى ده رأيى كتاب كثير غيرى.

ثم يومأ برأسه ويستطرد قائلاْ

ما أقدرشى أنكر أن زوجتى جميله جدا بس عبارة عن تمثال بارد... لوحة جميله يبهرك جمالها بس ما تحسش بروحها..وهى كمان مش فى مخها غير صحباتها والنادى وأنى أجيبلها هدايا غاليه وخلاص..والعلاقه بينا ماشيه على كده ..وبينى وبينك أنا مبسوط جدا بالوضع ده .

فيبدو على يحيى أنه غير مقتنع بهذا الكلام فصمت قليلاْ وكست ملامحه سحابة هم وكأنه تذكر شئ أليم ثم نظر إلى حاتم قائلاْ بصوت هادئ مشوب بنبرات حزن

مش شرط أنا مثلاْ كانت خطيبتى أمل أجمل ست شوفتها فى حياتى وكانت أجمل
وأرق قلب عرفته فى حياتى

فينظر إليه حاتم بتأثر قائلاْ

ياه يايحيى لسه فاكرها ده مر على وفاتها أكثر من خمس سنين

فصمت يحيى قليلاْ وبدا عليه التأثر والألم وأجابه قائلاْ

لن يقدر على نزع حبها من قلبى إلا شئ واحد ..هو الموت.

فيحاول حاتم الكلام فى شئ آخر حتى يخرج يحيى من تلك الحالة فيصيح قائلاْ بدعابة

أنا بقى دلوقتى خالى حب ..أعمل أيه منا لازم أحب علشان أقدر أكتب رواية جديدة..ماتعرفليش واحده أحب فيها شويه وتكون ملهمتى
.
فيهز يحيى رأسه قائلاْ

مافيش فايدة فيك ..صدقنى آخرتك هتقع فى أيد واحده تعرفك أن الله حق

فيطلق حاتم ضحكة عالية ويرد عليه فى دعابة قائلاْ
ل
و هتخلينى أقدر أكتب رواية هايله أنا موافق.

فيهز يحيى رأسه قائلاْ

مافيش فايدة.


بعد أن أنهت ( أميرة) المعيدة بقسم البيولوجى بكلية العلوم بجامعة المنصورة أجراءات البعثة الخاصة بها ذهبت إلى رئيس القسم حتى تشكره وتسلم عليه قبل سفرها إلى أمريكا فى بعثة داخلية لمدة أربع سنوات لتحصل على درجة الدكتوراه من إحدى الجامعات المشهورة بولاية تكساس.

رحب بها رئيس القسم وتبادل معها الحديث عن الأستعدادات التى قامت بها من أجل السفرو قبل أن تغادر أميرة مكتبه صمت برهة جذب من خلالها نفساْ طويلاْ من سيجارته ثم ألقى عليها نظرة متفحصة وحدثها بلهجة ذات معنى قائلاْ

على فكرة يا أميرة فى دكاترة كثير طلبوا منى أنى مش أسمح ليكى بالبعثه علشان ده ما يأثرشى على بعثة ابنى بعد كده .

.أنت عارفه عادل ابنى اصغر منك بدفعتين وأنا طبعا هكون سعيد لو قدر ياخد البعثة الجديدة وممكن بالفعل بعثتك تكون عائق أن فى بعثه جديدة تيجى للقسم عندنا ..بس أنا رفضت أنى أسمع كلامهم ووافقت أنك تاخدى البعثة

فلم تملك أميرة غير أن تبتدى أمتنانها الشديد إليه وتشكره بشده على كرمه هذا وهى بداخلها تلعن هذا الوضع الذى صار عليه مجتمعنا فهو يطلب منها أن تشكره على السماح لها بحصولها على حق من حقوقها .

.فهى أنسب واحده فى القسم لهذه البعثة فهى الطالبة المتفوقة وصاحبة أعلى تقدير بين زملائها ولا يوجد من هو أحق منها بها .

وبعد أن غادرت مكتبه ألقت نظرة وداع أخيرة على الكلية وسلمت على الجميع حتى الفراشين مصحوبه بدعواتهم لها بالتوفيق

.وهى ينتابها شعور غريب لا تستطيع أن تحدده فهى فى قمة سعادتها وفى ذات الوقت تشعر بالرهبة والقلق .

.فأميرة فتاة من أسرة بسيطه والدها موظف فى مدرسة أبتدائى فى مركزبلقاس بمحافظة الدقهلية.

هو المسئول عن دفتر الحضور والأنصراف بالمدرسة ..كانت أقصى أمانيه أن يرى ابنته الوحيدة التى أنجبها بعد عشر سنوات من الزواج معلمة وتعمل مدرسة فى نفس المدرسة التى يعمل بها ولم يكن يحلم بأكثر من ذلك.

وبعد أن ألتحقت أميرة بكلية العلوم تعرفت على زميل لها كان ابن دكتور معروف بقسم البيولوجى وتوطدت العلاقة بينهما ولمح لها أكثر من مرة بأعجابه بها بل وبرغبته فى الأرتباط بها ولكنها فوجئت فى آخر العام بخطبته لأبنة رئيس القسم فى ذلك الوقت .

.لا تستطيع أن تنكر أنها شعرت بالمهانة وسائت حالتها النفسية فى تلك الفترة .. ولكنها عزمت أن تفعل كل مافى وسعها حتى تتفوق فى دراستها وتحصل على الدكتوراه وتصبح أستاذه فى الجامعة وذات شأن فى هذا المجتمع الذى لا يعترف بالبسطاء .

تمتلك أميرة ملامح رقيقة جذابه ..لم يكن جمالها من ذلك النوع الأخاذ الذى يبهر البصر ولكنها كانت بها رقة وعذوبة ترتاح إليهما النفس وأكثر مايميزها أبتسامتها المشرقة التى لاتفارق شفتيها مما جعلها من أكثر الشخصيات المحبوبة فى كل مكان تلتحق به ..حتى فى الجامعة فكل الدكاترة يحبونها ويقدرونها.


كانت سعادة والدها بخبر سفر ابنته للحصول على درجة الدكتوراه من أمريكا سعادة لا توصف وظل يتفاخر أمام كل من يراه بأبنته التى سوف تعود من أمريكا وهى دكتورة قد الدنيا
: وقال لها قبل السفر جملة ظلت تتردد فى أذنها أثناء رحلة الطيران

أميرة يا بنتى أنت مسافرة لوحدك بلد غريبه عننا فى عادتها وتقاليدها بس أنا مطمن عليكى وعارف أنك بميت رجل ..ومتأكد أنك هتصونى اسمنا وشرفنا ..والله لو كان ليه ولد وهو إللى مسافر كنت هكون قلقان عليه أكثر منك ..لأنى عارف بنتى أميرة كويس ومتأكد أنى الحمد لله ربتها صح.

أخذت أميرة نفساْ عميقاْ وتأملت منظر السحب التى تخترقها الطائرة قبل أن تهبط على أرض المطار..

.منظر جميل لم تكن تتخيل أنها ستراه يوماْ فى حياتها . فأقصى مكان سافرت إليه هو القاهرة عندما كانت تسافر لجمع البيانات أو لأنهاء أجراءات البعثة .. ولم تركب طائرة من قبل فى حياتها ..فكل مافى ذاكرتها عن الطاترات هو مشاهد أفلام أسماعيل ياسين وهو يركب الطائرة ..فأبتسمت وسلمت رأسها إلى مقعدها وهى تفكر فى المجهول الذى ينتظرها.

وهاهى الآن تهبط على أرض جديده عليها عالم جديد لا تعرف عنه شيئاْ ..كلما تفكر فى بعد المسافة بينها وبين بيتها فى مركز بلقاس تشعر بالرهبة والقلق وتتقلص عضلات بطنها ..

من أول الصعاب التى واجهتها هى اللغة فلم تكن تستطيع أن تميز كلامهم ..مع أنها قوية فى اللغة الأنجليزيه وكانت تعشقها ولكنها أكتشفت أنها غير قادرة على التواصل مع الناس وكأنهم يتحدثون بلغة لا تعرف عنها شيئاْ

هاجمتها رغبة ملحة فى البكاء وشعرت بأنها وحيدة فى عالم غريب عنها وكعادة الغريب ينتابه شعور بأن الكل يراقبه والنظرات تلاحقه ..حتى وجدت رجل يقترب منها

فى الخمسينات من عمره يبتسم مرحباْ بها قائلاْ

أنت أكيد آنسة أميرة


فشعرت أميرة بالراحة وكأنها غريق يواجه الموت وفجأة ظهر له قارب النجاة..أخيراْ حد بيكلم عربى وأبتسمت مؤكده

أيوه أنا وأكيد حضرتك دكتور محسن

فيهز رأسه فى إيجاب قائلاْ

حمد الله على السلامه ..ياترى كانت رحلة موفقه

فتبتسم اميرة وتطلق صيحة أرهاق قائلة

كانت مرهقة وطويله لدرجة أنى يئست ان ممكن يكون ليها نهاية
..
فينده محسن على عامل بالمطار حتى يدفع عربة الشنط عنها وينظر إليها قائلاْ

عربيتى راكنها أدام المطار يالا بينا علشان أوصلك للشقه إللى حجزتها ليكى أنا معايا المفتاح.

فتذهب معه اميره وفى السيارة يحدثها محسن دون أن ينظر إليها بلهجة جادة بدت لها عدائية بعض الشئ

طبعا أنا هكون المشرف الاساسى عليكى ..وعلشان نكون واضحين من البداية وفى اسس هنتفق عليها علشان ماحدش يتعب الثانى
.
فنظرت إليه أميره فى ترقب تنتظر ماذا سيقول

فأستطرد دكتور محسن كلامه وهو لا ينظر إليها

أنا بقالى فترة برفض أنى أشرف على مصريين أو أى حد عربى. لأن للأسف من تجربتى معاهم بيحصل مشاكل كثير لأن كل واحد بيفتكر علشان انا مصرى يبقى لازم أريحه ومش عايزنى أشغله كأنه جاى هنا علشان يتفسح ويعمل شوبنج وخلاص.

ولولا ان دكتور مهدى شكر ليه فيكى وقالى انك بتشتغلى ومجتهده ومالكيش فى الدلع ماكنتش قبلت خالص انى اشرف عليكى

وكعادة أميرة لم تظهر على ملامحها أى علامات ضيق من كلامه هذا ..بل أبتسمت وحاولت أن تطمأنه قائلة

إن شاء الله أكون عند حسن ظنك بيه ...وأنا طبعاْ جايه هنا علشان أشتغل بجد وأقدر أطلع شغل كويس .

فيمط محسن شفتيه قائلاْ

لما نشوف كلكم بتقولوا كده فى الأول

فتصمت أميرة ولا ترد عليه وتكتفى بالأبتسامة والصمت

وما أن تخطو أميرة بقدميها داخل شقتها الخالية من العفش إلا من بعض الأجهزه الأساسية فى كل شقة من البوتاجاز والثلاجة وغسالة الأطباق والأرضية مفروشة موكيت بالكامل.

تضع حقائبها وهى تتأملها ..شعرت بالوحشة تنتابها ...فهى لأول مرة فى حياتها تكون وحدها وتبيت بمفردها بعيدا عن أهلها .. غير أن طريقة دكتور محسن معها لم تروق لها وزادت من شعورها بالقلق والرهبة .

قامت بغلق الباب جيداْ والقت بجسدها المرهق على الأرض وقامت بأخراج مجموعة من ملابسها من حقيبتها وصنعت منهم وسادة صغيرة ووضعت رأسها عليهم وأستسلمت لموجة من البكاء.

حتى سمعت صوت طرقات على باب شقتها فقامت من نومها بفزع وهى تنظر إلى الباب بترقب ونظرات الرعب تملئ عينيها وتنهض وتقترب من الباب فى خطوات بطبئة

قائلة بصوت مرتبك

مين؟؟؟

ليست هناك تعليقات: